السياسةالصومالتحليلاتمقالاتمقالات الرأيوجهات نظر

اتفاق تاريخي بين الصومال وإثيوبيا: بداية جديدة أم مجرد مناورة دبلوماسية؟

مقدمة 

يتناول هذا المقال تداعيات الاتفاق بين الصومال وإثيوبيا على العلاقات الثنائية بين البلدين وتداعياته الإقليمية، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مدى استدامته وتأثيره على الأمن والسيادة في المنطقة كما يناقش التحديات السياسية والاقتصادية التي قد تواجه التنفيذ الفعلي لبنود الاتفاق، بالإضافة إلى دور تركيا في الوساطة ونتائج هذا التحول على الاستقرار الإقليمي نظراً لأهمية الموضوع والتوقيت الحساس لهذا الاتفاق لإثراء الحوار الأكاديمي والسياسي بين الباحثين وصناع القرار.

اتفاق تاريخي بين الصومال وإثيوبيا بوساطة تركية

شهد الحادي عشر من ديسمبر عام 2024 حدثًا بارزًا في ساحة السياسة الإفريقية، تمثل في الإعلان عن اتفاق تاريخي بين الصومال وإثيوبيا بوساطة تركية، يحمل هذا الاتفاق في طياته آمالًا عريضة بفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين، لكنه يثير في الوقت نفسه تساؤلات جوهرية حول مدى عمق هذا التقارب ودوامته. بينما يصف البعض هذا الاتفاق بأنه نصر للدبلوماسية وخطوة نحو الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، يرى آخرون أنه مجرد حلقة جديدة في سلسلة طويلة من المناورات السياسية التي تشهدها المنطقة، فالتاريخ المشحون بين البلدين، والذي شهد صراعات حدودية وتدخلات متبادلة، يجعل من الصعب الثقة بشكل كامل في استدامة هذا الاتفاق.

بداية جديدة أم مجرد مناورة دبلوماسية؟

أحد أبرز بنود الاتفاق هو منح إثيوبيا، الدولة الحبيسة، منفذًا بحريًا عبر الأراضي الصومالية، ورغم أن هذا البند يمثل حلاً عمليًا لإثيوبيا، إلا أنه يثير قلقًا بالغًا لدى الصومال، الذي يخشى أن يؤدي إلى تقويض سيادته البحرية، وهنا تبرز تساؤلات مهمة: كيف يمكن ضمان عدم تحول هذا المنفذ إلى رأس سهم للتوسع الإثيوبي على حساب الأراضي الصومالية؟ وكيف يمكن ضمان عدم استغلاله لأغراض عسكرية تهدد أمن المنطقة؟

إن هذه التساؤلات تتجاوز مجرد التفاصيل التقنية للاتفاق، لتصل إلى جوهر العلاقة بين البلدين، فهل هذا الاتفاق هو نتاج إرادة سياسية حقيقية لتجاوز الخلافات التاريخية، أم أنه مجرد تسوية مؤقتة تهدف إلى كسب الوقت وتأجيل المواجهة؟ وكيف ستؤثر الديناميكيات الإقليمية والدولية على تنفيذ بنود هذا الاتفاق؟ وعلى الرغم من أهمية الاتفاق الإثيوبي الصومالي، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة تهدد نجاحه، فالتنفيذ الفعلي لبنود الاتفاق يتطلب إرادة سياسية قوية من كلا الطرفين، وهو أمر صعب تحقيقه في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية المتأزمة في المنطقة ،وفي الوقت نفسه يمثل هذا الاتفاق فرصة كبيرة لتركيا لتعزيز نفوذها الإقليمي، حيث يمكنها من خلال هذا الدور أن توجه مسار الأحداث في المنطقة وتشكل تحالفات جديدة، وبالتالي سيكون لنجاح أو فشل الاتفاق آثار بعيدة المدى على استقرار المنطقة بأسرها، حيث قد يشجع على تحقيق المزيد من التعاون الإقليمي، أو يؤدي إلى تفاقم الصراعات القائمة.

من جهة أخرى، قد يكون هذا الاتفاق بمثابة ضربة لمصر، حيث إن تعزيز التعاون بين إثيوبيا والصومال قد يضعف من قدرة مصر على استخدام علاقتها مع الصومال كورقة ضغط في مفاوضاتها بشأن سد النهضة، هذا الأمر قد يجبر مصر على إعادة تقييم استراتيجياتها الإقليمية والبحث عن تحالفات جديدة أو تعزيز دورها كوسيط لحماية مصالحها وعلى الرغم من التحديات الأمنية التي تعيق التعاون التجاري بين الصومال وإثيوبيا، إلا أن الاتفاق الذي تم توقيعه يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فإذا تمكن الطرفان من توفير بيئة آمنة ومستقرة للتجارة والاستثمار، فإن هذا الاتفاق سيساهم في تحقيق تنمية اقتصادية شاملة في القرن الأفريقي، وفتح آفاق جديدة للتعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والسياحة.

كما يمثل انطلاق المحادثات الفنية في فبراير 2025، تحت الرعاية التركية، لحظة فارقة في مسار تنفيذ الاتفاق، هذه المحادثات التي تأتي في أعقاب التوقيع على الاتفاق، تحمل على عاتقها مهمة شاقة تتمثل في تحويل بنوده النظرية إلى واقع ملموس على الأرض، ومن المتوقع أن تشهد هذه المحادثات نقاشات مكثفة حول قضايا شائكة مثل التحديات الحدودية، والمعيقات التي تعترض التجارة البينية، وآليات ضبط الأنشطة العسكرية على طول الحدود المشتركة، ولذلك فإن نجاح هذه المحادثات، التي ستجرى تحت مظلة القيادة التركية، سيمثل انتصارًا للدبلوماسية ويعزز من مكانة تركيا كوسيط نزيه وقوة إقليمية مؤثرة قادرة على صياغة حلول مستدامة للقضايا المعقدة التي تواجه المنطقة.

في الختام، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة الأطراف المعنية على تحقيق الأهداف المنشودة من هذا الاتفاق، وما إذا كان سيسهم في تحقيق الاستقرار المنشود في القرن الأفريقي.

عبد الطاهر محمد عثمان

كاتب وباحث ، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسة، وماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى