السياسةالصومالتحليلاتمقالات الرأي

قراءة متأنية في مستجدات واحتياجات ولاية جنوب غرب الصومال

  • مقدمة:

شهدت مدينة بيدوا يوم الأربعاء 16 – 01 – 2019 حفل تنصيب السيد الرئيس عبد العزيز حسن حاكما ثانيا لولاية جنوب غرب الصومال؛ وذلك بحضور وفود رفيعة المستوى يتقدمها رئيس الصومال محمد عبد الله فرماجو ورئيس مجلس النواب محمد مرسل، وقد تمت فعاليات حفل التنصيب في القصر الرئاسي بمدينة بيدوا العاصمة الانتقالية لولاية جنوب غرب الصومال.

وفي هذه العجالة نحاول استعراض أهم ما يمكن أن يعالجه الحاكم، وما الذي يجابهه من المطبات خلال السنوات الأربعة القادمة:

التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول في العام المنصرم 2018 كان حدثا مفصليا لتاريخ ولاية جنوب غرب الصومال، فقد تم انتخاب السيد عبد العزيز حسن حاكما ثانيا للولاية بعد فوزه بأغلبية ساحقة في الجولة الأولى من الانتخابات بين منافسيه الأربعة، وذلك رعم الخلاقات والأحداث الدامية التي سبقت الانتخابات التي أثارت الكثير من الجدل بين المعارضة الصومالية والنظام الحاكم في البلاد.

يُذكر أنه لم تنعقد الانتخابات في الجدول الانتخابي المرسوم لها، إذ طرأ عليها عطل فني تكرّر أكثر من مرتين؛ حيث كان من المفروض انعقادها في 17 من نوفمبر 2018 ما أدى ذلك إلى انعدام شرارة الحماسة للانتخابات وخاصة بعد انسحاب الحاكم السابق شريف حسن شيخ ادم من الترشح، وحدوث حالة من البلبلة السياسية التي حصلت جراء حملة الانتخابات بسب اعتقال الشيخ مختار روبو القيادي السابق لحركة الشباب، والذي كان أيرز المنافسين مع المرشح الفائز.

كانت المناطق التابعة لولاية جنوب غرب الصومال تعاني ولا تزال من تحديات كثيرة، وهي قضايا لم تعالجها كل الإدارات المتعاقبة على حكم البلاد إثر انهيار النظام الدكتاتوري السابق وأشدها تلك التي تتعلق بالأمن والاستقرار.

الاحتباجات الأساسية:

تعتبر القضايا التي سنوردها فيما يلي باقتضاب من أهم ما يُتوقّع ويحتاج إليه شعب الولاية:

  • الأمن

أصبحت كلمة الأمن من أكثر الكلمات انتشارا على ألسن شعب الولاية؛ حيث ظل الأمن شريان حياتهم بل عمود تجارتهم، وبالتالي فهو اي الأمن من اكبر التحديات التي يجب معالجتها في أسرع وقت ممكن.

  • الصحة: Health

تنتشر مراكز صحية في ربوع الولاية إلا أنها لا تلبّي حوجة المجتمع؛ حيث لا يهمّ تلك المراكز سوى جمع المال، ولذلك سكّان المنطقة يحتاجون لمرافق صحية عامة يستوي ارتيادها الغني والفقير، كأحد أهم أساسيات احتياجات الشعب.

  • التعليم

التعليم معيار كيان المجتمع، وبه تتطوّر الأمم، وقد ظل التعليم في الولاية لا يصل للمستوى المطلوب رغم كثرة المدارس والجامعات إلا أن ذلك لا يعني أن التعليم قد قفز لأشواط بعيدة المدى؛ حيث عدد الطلبة أقل من الذين لا يسعفهم الحظ في الانتظام في سلك الدراسة لعلة أو أخرى. إما أنهم عزفوا عن المقاعد الدراسية بسبب الجهل عن قيمة العلم أو بسبب عدم قدرتهم على تسديد الرسوم الدراسية، وانطلاقا من ذلك صار تكثيف جهود نشر العلم بين أوساط الشعب ضروريا جدا، من خلال فتح المجال أمام كل فرد، وهذا أقل ما يمكن أداءه من حقوق الشعب.

  • خلق فرص العمل

وفق دراسات منشورة خلقت البطالة حالة من الانهزام النفسي وعدم المضي قدما لدى كثير من الشباب، وخاصة بعد تخرّجهم من الجامعات والمعاهد، ورغم كون ظاهرة البطالة معضلة عالمية في معظم بلدان العالم إلا أنه يمكن تقليلها بعمل مشاريع عمل صغيرة تلبّي على الأقل حاجة العاطلين الراغبين في الوظائف لضمان توفير احتياجاتهم اليومية.

  • بناء الدولة والحوكمة 

بعد انهيار الحكومة المركزية في البلاد انهار كل شيء، ومن الصعب استيعاب مفهوم الدولة لدى الجيل الذي تزامن مع هذا الوضع اللاحكومي، والذي أصبح لا يدرك أهمية النظام، وبالتالي صار الجيل الجديد غير المتعلم عائقا أمام سير الأعمال السياسية المبنية على الحوكمة والحكم الرشيد المنشود، وهذا يلزم الحكومة الولاية المرتقبة تكثيف الجهود الرامية لتقوية وعي شعب الولاية بهدف دفعه نحو استيعاب مفهوم الدولة الحديثة حتى لا تصطدم بواقع بائس خال عن الوعي السياسي المنشود.

ومن المعلوم فإنّ أغلب الحكومات الصومالية المتعاقبة لا تركّز على بناء وعي الشعب سياسيا؛ لذلك نجد أنها لا تقدر على إيصال رسالتها كما تريد، وترتطم بالرفض والامتعاض الشعبي تجاه سياستها، ولا أحد يتساءل عن الدوافع التي أفضت إلى حدوث ذلك، وعدم المضيّ قدما.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الواقع السياسي في الصومال لا يزال ينبني على المحاصصة القبلية؛ مما يعقد الأمور، ويجعل عملية الانتقال من حكومة قبلية إلى حكومة شاملة بعيد المنال، وتتطلب الكثير من الوقت .
وفي هذا الصدد يتبادر إلى أذهاننا هذا السؤال: كيف يمكن تخطي هذه الحواجز والعقبات بشأن ضعف المستوى السياسي العام لدى قطاعات كبيرة من الشعب الصومالي. والجواب ببساطة هو عقد ندوات مفتوحة لنشر ثقافة الدولة والحوكمة وتدريب الجهات المستهدفة على هذا المجال بأي وسيلة من وسائل الإعلام والإرشاد .

  • محاربة الفساد الإداري

ظاهرة الفساد أضحت السوس الذي لا يزال ينخر جسد كيان الدولة في الصومال، ولهذا نراها عائقة أمام سير المشاريع التنموية .
و الفساد انتشر – كانتشار النار في الهشيم – في مفاصل الدول الإفريقية ناهيك عن الصومال، ومن هذا المنظور على حكومة حاكم ولاية جنوب غرب الصومال أن تبذل قصارى جهدها لمحاربة الفساد، وخاصة أن الولاية تفتقر إلى بناء البنى التحتية وتطوير المشاريع التنموية، ولتنفيذ ذلك يتطلب إدارة الأموال المخصصة لهذا الأمر بشفافية.

  • رفع نمو الاقتصاد

ومن البديهي جدا أن الإنسان لا يمكن العيش بدون الحصول على مصدر دخل منتظم فضلا عن مؤسسات الدولة التي في الغالب يعتمد عليها الشعب بالمنظور العالمي .
ومن المعلوم أيضا أن الهرم الحكومي من العامل البسيط وحتى القائد لا يستقيم لهما الحال ما لم يوجد مصدر دخل معتمد، وانطلاقا من هذه الزاوية هناك ثلاث مجالات رئيسية لا بد من التركيز عليها كي يتحسّن الاقتصاد في الولاية:

  1. الموارد الطبيعية

تحتلّ الولاية موقعا هامة بين المناطق الأخرى في الصومال؛ حيث تتمتّع بموارد طبيعية مختلفة منها الزراعة بشقيها النباتي والحيواني والمعادن .
نظرا لوجود أراضي شاسعة خصبة والثروة السمكية أيضا فقد يمكن أن تتحول الولاية قبلة للمستثمرين إذا أولت الحكومة أهمية قصوى للاستفادة من هذه الموارد بصورة أفضل من خلال وضع خطط إستراتجية واضحة المعالم خلال فترة الحكم.

  1. القطاع الصناعي

الصناعة هي عصب حياة البشر وبدونها لا تستمر ؛ فمنذ انفجار الثورة الصناعية في العالم في القرن التاسع عشر والثامن عشر تحوّل العالم إلى توظيف كل طاقته لإنتاج جديد؛ فبدأ التنافس على السوق العالمي، ورغم توفّر الإمكانات في المنطقة من مواد خام إلا أن الحقل الصناعي تم تهمشيه على مستوى الصومال، ولم يوجد حتى الآن مصانع ملحوظة تذكر والتي تخدم البلاد، ومن المطلوب من حكومة لفتغرين أن تساهم في تفعيل مجال الصناعة وتشجيع التجار دوليا ومحليا على الاستثمار في التصنيع حتى الصناعات الصغيرة كي تشارك في تخفيف عبء البطالة وتطوير مستوى الاقتصاد.
فالخدمات الأخرى التي تحظّى بها الولاية من المواني والمطارات والنقل البري لهي مصادر اقتصادية قوية توثّق عرى الدخل المحلي والقومي أيضا إذا تمّت إدارتها بصورة مدروسة ومحكمة.

  1. الموارد البشرية

تتسم الولاية بإيوائها النسبة الأكبر من مجموع سكان الصومال؛ ما يتيح للولاية فرصة كبيرة لاستغلال تلك الموارد في كل مجالات التنمية من التعليم، والدفاع العسكري، ورفع كفاءة القوى العاملة وتنشيط مشاركة بناء الدولة .
فتوجيه هذه الموارد إلى قبلة التطور عبر تدريبها وتعليمها وتشغيلها على أسس علمية رشيدة سيرفع ذلك المنسوبين المادي والفني.
فتأسيس الاقتصاد ذي الركن المتين يحتاج لتضافر الجهود المحلية والعالمية وخاصة أننا في أمس الحاجة إلى كوادر اقتصاديين وخبراء مخضرمين في مجال الإدارة والتنمية، وكل ذلك لا يتمّ إلا بوجود قيادة رشيدة تحيط بها بطانة صالحة.

وفي الختام، نشير إلى أنه من السهل أن يتولّى كل قائد على منصب رفيع؛ لكن من الصعب أن يترك أثرا يقتفى به، وأن يكون رئيسا توافقيا يضع جانبا جميع الحسابات الحزبية والشخصية.
ومن الطبيعي أن يواجه السيد عبد العزيز حسن خلال حكم الولاية بتحديات جمة ولكن من الواجب أن يضع في الاعتبار أن يعيّن وزراء أكفاء يقفون إلى جنبه خلال الرحلة الشاقة في خدمة الشعب.
وهناك توقّعات كثيرة لدى شعب الولاية حول تنفيذ الخطط والاستراتيجيات التي سردها أثناء حملته الانتخابيةـ وهل سينفذها أم سيتركها في مهب الرياح؟

وعلى كل حال، فرسالتي إليك سعادة حاكم الولاية الجديد السيد عبد العزيز حسن؛آملا أن تأتي بسياسية رشيدة يستوي فيها القوي والضعيف والغني والفقير، وأن تكون وعودك تحت التنفيذ حسب المستطاع، فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها؛ وأن تبتعد عن البطانة السيئة، فضرهم أكثر من نفعهم.

أرجو للصومال عامة وللولاية خاصة التقدم والازدهار، والأمن والاستقرار، والعدل والمساواة.

مصطفى إسحاق علي

مهندس مصطفى اسحاق علي مدوّن وكاتب صومالي مستقل مؤمن بهندسة العقول قبل هندسة البناء وعاشق الترحال عبر القارات. خريج جامعة كسلا في السودان كلية الرزاعة والموارد الطبيعية وحاصل على ماجستير من جامعة محمد حاج دانش للعلوم والتكنلوجيا في بنجلادش كلية الهندسة قسم هندسة تصنيع الأغذية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى