الصومال : جدل حول تسليح العشائر ضد حركة الشباب
مقدمة:
للإطلاع على ملف التقرير بصيغة بي دي إف انقر هنا
يعتبر البعض أن توجيه العشائر وحشد أبنائها ضد حركة الشباب أمرا في غاية الأهمية لدحر الإرهاب كاستراتيجية عمل مرحلية في ظل عدم جاهزية الجيش الوطني للقيام بهذه المهمة وحده في الوقت الراهن، بالإضافة إلى افتقار القوات الصومالية إلى السلاح والعتاد المطلوب؛ وذلك بسبب استمرار حظر استيراد الأسلحة المفروض على الصومال، وفشل القوات الأفريقية بتحييد خطر حركة الشباب، واستعداد العشائر للأخذ بثأرهم من حركة الشباب والتي تتآكل هيبتها،
وتفقد بريقها، ويتعرى غطاؤها الديني، وينكشف تعطشها لدماء أبناء الشعب الصومالي بعد رفض العشائر الإتاوات المفروضة عليها والانصياع لأوامرها.في المقابل يرى آخرون أن هذه الاستراتيجية خاطئة، وتنطوي على تهديد أمني لا يقل عن خطر حركة الشباب نفسها، فالعشائر لا تقاتل قوات أجنبية بل صوماليين مثلهم قد يكونون من العشيرة نفسها، وبالتالي فالخوف كل الخوف يتمثل في أن ينفلت عقال ردع الشباب؛ لتبدأ مرحلة جديدة متسلسلة تنصب في خانة تصفية حسابات عشائرية وعمليات انتقامية قبلية مفتوحة يصعب السيطرة عليها مستقبلا، علاوة على خطر اختراق الحراك العشائري من قبل حركة الشباب، وقلب الطاولة على الحكومة الفيدرالية من الداخل .
يحاول هذا التقرير تسليط الضوء على الجدل القائم حول جدوى تسليح العشائر ضد حركة الشباب، وذلك من خلال استعراض تطورات الوضع الأمني والميداني منذ بدء الحراك الشعبي ضد حركة الشباب، وخاصة في ولايتي هيرشبيلي وغالمودغ، مع مناقشة مدى إمكانية تحقيق انتصارات عسكرية في ميادين القتال لهزيمة مقاتلي حركة الشباب وإخراجهم من معاقلهم الرئيسية كما يحرص عليه ثوار أهالي محافظتي هيران وغلغدود بوسط البلاد. ويتم استعراض الآراء المتباينة حول هذه المسائل المثيرة للجدل لبلورة رؤية واقعية تواكب المرحلة، وتستشرف مستقبل الحراك الأهلي الذي أخذ زمام المبادرة وسبق التحرك الحكومي بحسب رؤية بعض المحللين وقادة الرأي العام المحلي في الصومال.
أسباب الانتفاضة وبدايات الحراك الشعبي
يعود سبب تفجر انتفاضة الأهالي ضد حركة الشباب إلى عوامل عدة مترابطة؛ حيث يعتبر الأول امتعاض الأهالي من إجبارهم على تجنيد اليافعين من أبنائهم ومعاقبة من يرفض ذلك بالحبس ومصادرة أمواله دون وجه حق، وصولا للتصفية الجسدية، بينما يعد السبب الثاني تمادي حركة الشباب بفرض الإتاوات على السكان متجاهلة صعوبة الأوضاع المعيشية من الجفاف الذي ضرب البلاد وأدي إلى نفوق المواشي وتلف المحاصيل الزراعية. ويعزى السبب الثالث سقوط القناع الديني الذي طالما رفعته الحركة شعارا يستهوي قلوب الشعب الصومالي المعروف بتدينه، والذي أقنع بعض الأهالي بأن هدف الحركة هو تطبيق الشريعة الإسلامية ليتبين لهم أنهم مخدوعون، وأنها حركة مارقة لا تمت للدين بصلة، ولا يمت الدين لها بصله؛ وإنما هي مجرد عصابات تاجرت بالدين لتحقيق مصالها الخاصة، وانفضح أمرها بعد تكرر مجازرها الوحشية ضد الرافضين لدفع الإتاوات.
إن انحسار حركة الشباب وتراجعها في تجنيد واجتذاب عناصر جديدة وفشل آلتها الإعلامية في كسب معركة العقول والقلوب وعواطف الناس بعد أن اكتشفوا أنها تستغل الدين في أجندات سياسية بحتة إضافة إلى آثار وطأة أزمة الجفاف التي ضربت البلاد على السكان، أدت كل هذه العوامل المتضافرة إلى رفض العشائر دفع الضرائب التي تفرضها عليهم الحركة تحت مسمى الزكاة، وهو ما جعل حركة الشباب تخرج عن طورها وتتوحش في رد فعلها تجاه هذه العشائر خوفا من فقدان هيبتها وتمرد مزيد من العشائر عليها؛ لذلك قامت بمذابح وحشية ضد عشائر هيران حتى تكسر إرادتهم [1]
إن تمرد العشائر ضد حركة الشباب ليس الأول من نوعه فقد بدأت حركة تمرد كبيرة عام 2018 في محافظة شبيلي الوسطى، وأخذت اسم “مَعْوِيسْلَي ” ومعناه رعاة الإبل الذين يرتدون الإزار إلا أن حركة الشباب نجحت في إخماد هذه الثورة بالقوة العسكرية بعد أن استفردت بهم وتقاعست الحكومة عن حمايتهم، وحاولت الحركة بدورها التفاوض مع وجهاء العشائر واستمالتهم وشراء ذممهم حتى لا يثوروا عليها من جديد.
انتفاضة هيران وحراك غلغدود
قرر الأهالي بعد ما ضاقوا ذرعا بتصرفات الحركة، وانفصالها عن الواقع، وتجردها من الرحمة والشفقة، وتعطشها لدماء الأبرياء من أبنائهم لمجرد اعتراضهم على أوامر الحركة (قرروا) مواجهتها بالسلاح بعد اتضح لهم أنهم عصابات إجرامية لا تراعي حرمة الدماء والأموال والأعراض، وبالتالي بدأ الأهالي بتنظيم صفوفهم في محافظة هيران، ونجحوا في التصدي للحركة وإلحاقها هزيمة تلو أخرى في أكثر من موقع ومعركة؛ مما شكل صدى واسعا ووقعا إيجابيا على البلاد كلها، وصار إيذانا بأن أيام الحركة باتت معدودة، واستشعرت الحركة بأنها وقعت في المحظور؛ لذلك طلبت تعزيزات كبيرة لمحاولة إخماد ثورة أهالي هيران كما دأبت على ذلك في الانتفاضات المضادة لها في السابق، وحتى لا يجرؤ أحد على تحديها مرة أخرى؛ لكن عشائر هيران انتفضت عن بكرة أبيهم لحماية بيضتهم مع محافظ هيران السيد علي جيتي الذي استنجد بالجيش الوطني الذي دخل المعركة مما حال دون عودة الشباب للمواقع التي فقدتها، وقد ألهمت هذه الانتصارات أهالي محافظة شبيلي الوسطى المجاورة للانتفاضة من جديد بعد إخماد ثورتهم في 2018 نتيجة لتجاهل الحكومة في دعمهم في ذلك الوقت. وكان لمحافظة غلغدود قصب السبق في محاربة حركة الشباب عبر ذراع فصيل أهل السنة والجماعة منذ 2007، وفي الحملة الحالية نجح أهالي المحافظة في طرد الحركة من المناطق التي كانت تخضع لهم، وتتزايد العشائر التي تنضم للحراك الشعبي، ويتم حاليا عمل أكبر حشد لتحرير مدينة “عيل بور” أحد معاقل الحركة الاستراتيجية في ولاية غالمودوغ .
جدل حول استراتيجية دعم العشائر
في برنامج حواري ذكر النائب بمجلس الشعب عن مديرية “عيل طير” بمحافظة غلغدود بولاية غالمودوغ السيد عبد الرزاق ورسمة آدم المعروف بـ “حُسُلْ” حول جدوي تسليح العشائر بأنها خطر داهم لا يدرك خطورته الناس حاليا بدافع الحماسة والعاطفة والرغبة في الانتقام من حركة الشباب، وأضاف قائلا “إنه يجب أن تقود الدولة أي عمليات ضد حركة الشباب؛ لأن تسليح هذه المجاميع العشائرية سينطوي على عواقب لا تحمد عقباها، وأثارت تصريحات النائب موجة من ردود الفعل بعضها مستنكرة، وبعضها مؤيدة لطرحه، وجاء أكثر الردود إثارة من محافظ هيران الذي اتهم النائب بالانتماء لحركة الشباب وبخس دماء الضحايا الأبرياء، وانكار حقهم في الدفاع عن نفسهم وأموالهم وأعراضهم ضد عدوان حركة الشباب، مما دفع النائب إلى إعطاء توضيحات بأن تصريحه تم اجتزائه، وأسيء فهمه، وأنه يقدِّر تضحيات مجاميع ثوار “معويسلي” ويتفهم حقهم في الدفاع عن نفسهم، ولكنه يقصد الاستفادة من جهودهم حتى لا تذهب سدى كما حدث ذلك عام 2008في مديرية “عيل طير” التي يمثلها عندما تصدى الأهالي لحركة الشباب، ولكن الحركة نجحت في امتصاص الانتفاضة، والانقضاض عليهم دون أن يحرك أحد ساكنا.
وفي السياق ذاته يعتقد الكاتب الصومالي الأستاذ يحيى طُحُلَو أن استراتيجية حشد العشائر في محاربة الشباب تذكرة باتجاه واحد، وهو الرغبة في الانتقام دون التفكير بالمالات، وطرح الأسئلة التي ينبغي الإجابة عنها حول كيفية استيعاب تلك المجاميع المسلحة وتأهيلها في المجتمع، ويرى أيضا بحسب منشور نشره في صفحته على الفيس بوك “أن التفكير العاطفي دائما يتجاهل عن الأسئلة الملحة، ولا يدرك العواقب إلا بعد فوات الأوان، ثم يصحو فجأة بعد أن ينقلب المركب، وهناك من الأمثلة الكثير في التاريخ الصومالي القريب والبعيد..!
وفي المقابل تعتقد الكاتبة الصومالية هبة شوكري أن الشعب الصومالي كالغريق الذي ينزف دما، ويتمسك بكل أمل يراه، ومن حقه الدفاع نفسه، وهو حق أصيل كفلته كل الشرائع، وتقول الدكتورة هبة شوكري في تغريدة نشرتها مؤخرا ما معناه إن كل من يغمز في هذا الحراك الشعبي يناصر حركة الشباب من حيث يدري أو لا يدري فهو من الإرهابيين، وأنه يجب دعم هذه الانتفاضة بالسلاح والمال وكل ما من شأنه هزيمة حركة الشباب التي لم يعد لها مكان في الصومال. والملاحظ أن الكل يريد هزيمة حركة الشباب ولكن تختلف الآراء حول الاستراتيجية الناجعة للوصول إلى هذا الهدف؛ فالفريق الأول يري أن انخراط العشائر في العمليات العسكرية سيعزز الهوية والتعصب العشائري، وربما سيقودنا ذلك إلى جولات من الاقتتال العشائري، بينما يرى الفريق الثاني أنه لا بد من مشاركة العشائر في الجهد العسكري؛ لأنهم يعرفون بيئة المنطقة إلى جانب الجيش الوطني، وعلى كل فإن الشعب الصومالي قادر على إلحاق الهزيمة بحركة الشباب، وأن بوادر نصر كبير تلوح في الأفق.
إن بروز العشائر كواجهة عسكرية عملية محفوفة بالمخاطر ومع ذلك قد تكون ضرورية في الظرف الراهن، وعلى المدي المنظور في ظل الهجمات الوحشية التي تقوم بها الحركة ضد بعض العشائر التي تمردت على أوامرهم ورفضت دفع الإتاوات في محافظة هيران في ولاية هيرشبيلي ومحافظة غلغدود في ولاية غالمودوغ مما يستلزم دعم العشائر بالسلاح والذخائر والدعم اللوجستي كالوقود والمؤن جنبا إلى جنب مع القوات الحكومية؛ وذلك لما تملكه العشائر من خبرة بالطبيعة الجغرافية في مناطق القتال وإمكانية دمج بعضهم مستقبلا في القوات الحكومية.
ويُذكر أنه يمكن الاستفادة من تجربة “الصحوات العشائرية” في العراق واستخلاص الدروس منها؛ وذلك لتعظيم المكاسب مثل تحرير سريع للأراضي التي تتواجد فيها أفراد حركة الشباب، وتقليل المخاطر مثل اختراق بعض عناصر الشباب في القوات الحكومية أو نقل العتاد والسلاح لحركة الشباب أو غيرها من المخاطر المحتملة.
دور القوات المدرَّبة في أريتريا
تفقد رئيس الجمهورية، حسن شيخ محمود وحدات من الجيش الصومالي المدربة تدريبا نوعيا في دولة إريتريا، ويقدر عددها بنحو 5000 جندي، وتلقى الرئيس من الوحدات المدربة التحية العسكرية في استعراض عسكري مهيب، وتفقد أوضاعهم المعيشية، واستمع إلى تقارير من بعض الضباط والجنود وسط شائعات كاذبة بأن هؤلاء الجنود شاركوا في الحرب في شمال إثيوبيا بين الجيش الفيدرالي وقوات جبهة تيغراي، ومقتل العديد منهم في تلك الحرب؛ ليتبن زيف هذه الأخبار.
وتحدث الرئيس في كلمة ألقاها أمام الجنود عن خطط إدارته في بسط أمن البلاد بشكل عام وتحرير المناطق التي ما تزال تحت سيطرة الإرهابيين من حركة الشباب الذين وصفهم بأنهم أعداء للشعب الصومالي وذلك لتنمية البلاد وتسريع جهود بناء الدولة، ويتوقع على نطاق واسع أن يضطلع الجنود المدربون في إرتيريا بدور حاسم في تحرير محافظة جوبا الوسطى في ولاية جوبالاند المركز الرئيسي لحركة الشباب وعقر دارهم، ولهذا أكد الرئيس أن الجنود سيعودون إلى أرض الوطن في أسرع وقت ممكن؛ ليلبوا واجب الوطن في حماية الأمن من أعداء الداخل الإرهابيين والدفاع عن السيادة الوطنية وسلامة ووحدة الأراضي الصومالية. ([2])
تجربة فصيل أهل السنة والجماعة
تعتبر الطريقة القادرية أقدم وأشهر الطرق الصوفية في الصومال التي ينتسب إليها فصيل أهل السنة والجماعة، وتقوم أديباتها على توقير شيوخها ورعاية أنصارها، ونشر تعاليمها بين مريديها، والإعداد الروحي لهم، وتلقينهم مبادئ الدين الإسلامي وتعاليمه عبر قوالب معينة وتقاليد مرعية، ويوجد لها فروع كثيرة انبثقت منها كالزيلعية والأويسية، والربيعية، والعلية، والبارديرية، والسمنترية والرفاعية، وهذه الفروع متفاوتة في حجمها، وجغرافية الانتشار. وتوجد إلى جانب القادرية الطريقة الأحمدية (الإدريسية) ومنها الصالحية في شمال الصومال، وتذكر بعض المصادر وجود طرق أخرى مثل الرفاعية، والختمية، والدندرية، ولكنها ضئيلة لا يهتدي المراقب إلى ممثلين لها. ويرى أغلب المراقبين أن التيار الصوفي تراجع دوره في الحياة العامة في الصومال منذ الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بعد مزاحمته من الحركات الإسلامية المعاصرة، ويسعى الآن لاستعادة مكانته السابقة.[3]
يعد فصيل أهل السنة والجماعة الذي ينشط في وسط الصومال الجناح المسلح للطرق الصوفية في الصومال، ويقدر عدد عناصره ما يناهز 3 آلاف عنصر مسلح، والذي برز في وسائل الاعلام والساحة السياسية في الصومال كواجهة من واجهات التيار الصوفي التي استشعرت خطر وجودي عليها، وكافحت حركة الشباب منذ العام 2007 ونجحت في التصدي لها ومنعها من التمدد في وسط الصومال لرفض نهج الحركة في تطبيق الشريعة الإسلامية، ووصفتهم بأنهم خوارج العصر الحديث وذلك لتكفيرهم كل من لا يوافق مقاربتهم للدين الإسلامي، ولما اعتبر استفزازا من حركة “الشباب” التي هدمت العديد من الأضرحة التي يتبرك بها الصوفية في بعض المدن في جنوب البلاد، وإعلانها الحرب على كل ما يمت للصوفية بصلة في المدن التي سيطرت عليها في جنوب البلاد.
وخاض التنظيم معارك طاحنة مع حركة الشباب في وسط الصومال، وخاصة حول معقله في مدينة “غوري عيل” والتي أسفرت عن مقتل المئات بداية من عام 2008، وانتهت بهزيمة نكراء لحركة الشباب برغم أن هذا الفصيل لم يتلق دعما من الحكومة الصومالية في ذلك الوقت، وقد أشارت التقارير إلى أن إثيوبيا رعت هذا الفصيل كرأس حربة لكسر شوكة الإرهابيين، وعزز هذا الاتجاه تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي بأن حكومته تساعد العشائر في وسط الصومال التي تحارب الشباب.
خلافات وصراعات متوقعة
يخشي الخبراء من تكرار تجربة تنظيم أهل السنة والجماعة الذي أصبح شوكة في حلقة الحكومة في مسعاها لبناء مؤسسات الدولة في ولاية غالمودوغ، وبالتالي يتحفظ البعض من التعاطي مع الحراك الشعبي وحشد العشائر وتسليحهم ضد حركة الشباب؛ وذلك خشية أن يؤول المسار في النهاية إلى خلق كيان آخر مواز للدولة، والذي سيصبح دولة داخل الدولة حسب رأيهم، معتقدين أن هذا الكيان سيشتبك مع الحكومة الفيدرالية إن عاجلا أو آجلا كما حدث تماما مع فصيل أهل السنة والجماعة الذي يعد من أنجح المجاميع العسكرية التي قاتلت الشباب وانتصرت عليهم في كل المواجهات التي جرت بين الجانبين؛ وذلك لامتلاك التنظيم عقيدة قتالية واضحة ومبنية على أنهم يقاتلون خوارج العصر، وأن قتلاهم شهداء.
وبالعودة للخلاف السابق بين فصيل أهل السنة والجماعة والحكومة الصومالية يشار إلى أن التنظيم قد وقَّع عددا من الاتفاقيات مع الإدارات المتعاقبة؛ حيث حاولت كل هذه الإدارات استمالة التنظيم لدورهم الحاسم في محاربة حركة الشباب إلا أن اتفاقا واحدا لم يتحقق على أرض الواقع؛ وذلك لتعنت التنظيم وبعده عن منطق الدولة، ويري البعض أنه لا يقل تطرفا من حركة الشباب؛ وكانت المحاولة الأقرب عندما نجحت حكومة حسن علي خيري (2017- 2020) في دمج التنظيم في الهيكل السياسي والإداري بولاية غالمودوغ عبر اتفاقية جيبوتي في 2018، بعد تسوية أعطت زعيمه منصب رئيس الحكومة بالولاية في بداية النصف الثاني من عام 2019، نجحت الحكومة مرة أخرى في استيعاب مسلحي التنظيم في الجيش، الأمر الذي ساعد ولاية غالمودوغ في بسط سيطرتها على المناطق التي كانت تخضع لسيطرة التنظيم.
ويبدو أن عملية دمج مسلحي التنظيم في الجيش ساهمت في انحسار نفوذ الجماعة وفقدان قياداتها لبريقهم، الأمر الذي دفعها لمحاولة معاودة استعادة النفوذ من خلال تخلى التنظيم عن توافقاته السابقة مع الحكومة، وقد سعى في سبتمبر/أيلول الماضي إلى استعادة النفوذ في مدينة “غوري عيل” في ولاية غالمودوغ إلا أن إدارة الولاية رفضت استيلاء التنظيم على المدينة، واندلعت مواجهات مسلحة دامية انتهت بانسحاب التنظيم من المدينة عبر وساطة قام بها أحد رجال الأعمال في المنطقة([4]).
الخاتمة
إن صحوة العشائر ضد حركة الشباب فرصه ذهبيه سانحه للدولة؛ وبالتالي عليها استثمار الثورة الشعبية إن صح التعبير ضد المذابح الأخيرة التي قامت بها حركة الشباب، وتعد أيضا فرصه كبيره للتجار ورجال الأعمال حتى يتخلصوا نهائيا من ابتزازات الحركة، ورفع العبء الاقتصادي المفروض عليهم، وليكونوا جزءا من جهود الدولة والثورة الشعبية الرامية لاستئصال شأفة الحركة والقضاء على تهديداتها الأمنية في هذا البلد.
وبما أن حصون الحركة قد انهارت بعزيمة العشائر فالمطلوب من الدولة هو توظيف هذه الورقة لتعظيم المكاسب ومعالجة الأخطاء المصاحبة لهذه العمليات. وهو دور يمكن أن يكون فعالاً خلال الأشهر المقبلة. ونظرا لمحدودية القدرات القتالية لـ”مقاتلي العشائر” المعروفين بـ “معويسلي” وافتقارهم لهرمية القيادة في مواجهة عناصر الحركة المدربة لمثل هذه العمليات فإن الحركة تعول على عامل الوقت لتعاود الكرة، ولهذا فإن الجيش الوطني هو الوحيد القادر والمدرب على محاربة هذه الحركة المرتبطة بتنظيم القاعدة. ولا يعني ذلك أن الجيس يستغني من قوات العشائر إلا أنه يجب أن يضع في الاعتبار أن الحراك الشعبي وإن كان مفيدا في الأمد القريب إلا أن له محاذير ينبغي مراعاتها في ضوء افتقاده الإطار القانوني وانتشار السلاح وإمكانية الانزلاق إلى أتون حرب أهلية بين العشائر من جهة أو العشائر والحكومة في المستقبل كما حدث في سيناريوهات مشابهة.([5])
ومن المؤكد أنه لا يمكن هزيمة حركة الشباب عسكريا في الميدان دون هزيمتها اقتصاديا وفكريا، وهذا ليس لأنها قوية عسكريا ولكن لطبيعة بنيتها وتركيبها المرن وتمكنها من الاختفاء في حالة الهجوم عليها ولجوئها لتكتيك حرب العصابات، ومعروف أن القوات المسلحة يصعب عليها من الانتشار في طول وعرض المناطق الشاسعة، الشرطة المحلية كذلك فشلت في إدارة المناطق المحررة، ولهذا لا بد من استراتيجية متكاملة بعيدا عن الانسياق وراء العواطف التي لا تسمن ولا تغني في دحر هذه الحركة المتمردة.
التوصيات
نظرا لأولوية الملف الأمني على المستوى الشعبي والحكومي، وبناء على التطورات الميدانية المتسارعة على الأرض وانتفاضة الشعب السباقة للخطة العسكرية الرسمية لمواجهة حركة الشباب يجب الاستفادة من هذا الزخم والمزاج الشعبي المواتي على أحسن وجه؛ وذلك حتى لا تحدث انتكاسة للمكتسبات التي تحققت في الأشهر السابقة، وعليه ينبغي العمل على:
- أن يتولى الجيش الصومالي قيادة العمليات والهجمات العسكرية ضد حركة الشباب، وبذلك يـأخذ زمام المبادرة من مقاتلي “معويسلي” ويتم حسم المعركة بقيادة الجيش الوطني.
- إطلاق عمليات متزامنة على كامل الجبهات لتشتيت شمل الحركة، وشل قدرتها على شن الهجمات الانتحارية.
- قطع مصادر تمويل الحركة من الفحم وتهريب البضائع وغيرها من المصادر.
- تجفيف منابع الفكر المنحرف الذي يغذي استمرار تجنيد الحركة لمزيد من الشباب.
- رفع حظر استيراد الأسلحة المفروض على الصومال لدحر الإرهاب والجماعات المتمردة الخارجة على القانون.
المراجع
[i] – الجديد, . [Online] 5 أكتوبر 2022. https://www.alaraby.co.uk/politics/الصومال-العشائر-تتحدى-حركة-الشباب.
[ii] – الجديد, . [Online] 11 يوليو 2022. https://alsomal.net/رئيس-الجمهورية-يطلع-على-أوضاع-الجنود-ا/.
[iii] – الرحمن, صهيب عبد .حفريات. [Online] 6 مايو 2018. https://hafryat.com/ar/blog/الصوفية-في-الصومال-قيم-روحية-وأفكار-ثورية-مناوئة-للاستعمار
[iv] – نت, . [Online] 26 أكتوبر 2021 . https://1a1072.azureedge.net/encyclopedia/2021/10/26/تحالف-مع-الحكومة-ثم-انقلب-عليها-هذه.
[v] – الفقي, .الحائط العربي. [Online] 20 سبتمبر 2022. https://arabwall.com/لماذا-تنتفض-القبائل-الصومالية-ضد-حرك/.