تمهيد:
للإطلاع على ملف التقرير بصيغة بي دي إف انقر هنا
بعد موسم انتخابي طويل استغرق نحو سنة ونصف في ثالث انتخابات على التوالي تعقد بالعاصمة الصومالية مقديشو إثر إقرار الدستور الانتقالي في عام 2012 ، فاز الرئيس حسن شيخ محمود في هذه الانتخابات التي جرت في 15 مايو 2022 كأول رئيس سابق يعاد انتخابه، وكلّف السيد حمزة عبدي بري برئاسة الحكومة في 15يونيو 2022 بعد تنصيبه رئيسا للجمهورية؛ وحظي رئيس الحكومة بثقة مجلس الشعب بالأغلبية المطلقة في 25 يوليو 2022. وبحسب لائحة مجلس الشعب كانت لدى رئيس مجلس الوزراء مهلة شهر لتشكيل حكومته إلا أنه طلب 10 أيام إضافية بعد انقضاء مدة الشهر؛
وذلك لتذليل العقبات التي واجهته، ولعقد مزيد من المشاورات مع الكتل السياسية. وفي 2 أغسطس 2022 قام رئيس الوزراء بإعلان التشكيلة الوزارية بعد بذل جهود مضنية، وبواقع 25 وزيرا ونوابهم و 24 وزير دولة، بالإضافة إلى رئيس الحكومة ونائبه ليصبح العدد الإجمالي لمجلس الوزراء 76عضوا، ونالت التشكيلة ثقة مجلس الشعب في 7 أغسطس 2022 لتبدأ رحلة “حكومة المصلحة الوطنية” لقيادة دفة تسيير أمور الدولة.) [1])
دلالات تعيين مختار روبَو (أبو منصور)
الجدير بالذكر أن تعيين السيد أبو منصور لمنصب وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف غطَّى على الكثير من المواضيع الأخرى التي كانت تستحق النقاش والتحليل، وأثار ردود أفعال واسعة بين مرحب ورافض ومستغرب، ويرى المرحبون أن أبا منصور ليس أول منشق عن حركة الشباب ينضم للحكومة الصومالية، وسيصب في استراتيجية احتواء حركة الشباب واستمالتهم؛ لأن كثيرا منهم يسعى لتحقيق مآرب سياسية لمناهضة الحكومة الصومالية. فلماذا يقاتلون إذا كان بالإمكان تحقيق هدفهم السياسي بالنضال المدني، وأن أبا منصور قد انشق عن حركة الشباب قبل وقت طويل، وقاتلهم حتى تفاوض مع الحكومة وسلَّم نفسه لها؛ وذلك باتفاق سياسي مع إدارة فرماجو التي دعَّمته للترشح لرئاسة إدارة ولاية جنوب الغرب قبل أن تطلب منه الانسحاب، وهو ما رفضه، وعلى إثرها تم اعتقاله دون سند قانوني.
أما الرافضون لتعيين أبي منصور فكانوا ينطلقون من سجله في حركة الشباب؛ حيث وصل لنائب رئيس الحركة،معتقدين أنه لا يمكن الوثوق بشخص وصل لهذا المنصب الرفيع، ولم تصدر عنه مراجعات فكرية يمكن الوثوق بها، وأن هذا سيشجع أقطاب الحركة في اختراق الحكومة من الداخل ثم الانقضاض عليها في ظل تصريحات القيادي “مهَد كاراتي” بشأن استعداد حركة الشباب للاستيلاء على حكم البلاد بأكمله وتطبيق الشريعة الإسلامية ، وخاصة أن تجربة طالبان ماثلة أمام العالم، ويلاحظ بشكل جلي أن أغلب من يتبنى هذا الطرح هم من مؤيدي الرئيس السابق فرماجو الذين يمثلون المعارضة حاليا.
أما المستغربون فلا يمانعون من حيث المبدأ على حقه الدستوري في تولي المناصب أسوة ببقية المواطنين، ولعدم وجود مسوغ قانوني وحكم محكمة يقيد حقوقه المدنية والسياسية بالرغم من أن هذه القضية أبرزت ضرورة تفعيل القضاء وسيادة القانون، وإنما يتساءلون حول مغزى التعيين ودلالاته وفي هذا التوقيت بالذات. وهناك أكثر من رواية منها تحجيم نفوذ حاكم ولاية جنوب الغرب والرهان على أبي منصور لخلافة عبد العزيز لفتاغرين، ومنها أن التعيين أتى بضغط من الغرب وتحديدا من بريطانيا وأمريكا اللتين كان لهما دور في تخلي أبي منصور عن سلاحه ونبذه للعنف ضمن استراتيجية تفضي للقضاء على حركة الشباب نهائيا، وفي أول تعليق من حركة الشباب حول هذا الموضوع صرح الناطق باسمهم “علي طيري” بأنهم كانوا على خلاف عقدي مع أبي منصور، وأيا يكن فإن الشهور القادمة كافية لإظهار المستور والمغزى من هذا التعيين. ([2])
معايير ومميزات التشكيلة الجديدة
خلافًا لما كان متوقعا شكَّل رئيس الحكومة مجلسا وزاريا يغلب عليه نواب مجلس الشعب في البرلمان الفيدرالي؛حيث إن 14 من 25 وزيرا و13 من 24وزير دولة إضافة إلى 14 من 25 نائب وزير أعضاءٌ في مجلس الشعب؛ مما يعني أن أكثر من نصف التشكيلة الوزارية برلمانيون، ومعروف أن الدستور المؤقت يسمح بجمع عضوية مجلس الشعب إلى جانب الوزارة، وهي مسألة محل نقاش يمكن تعديلها عند مراجعة الدستور قبل الاستفتاء عليه تحقيقا لمبدأ فصل السلطات.
الكفاءة
الملاحظ أن بعض أعضاء مجلس الوزراء لا يتمتعون بالكفاءات العلمية إضافة إلى الخبرة الميدانية، إلا أن من المجلس وزراء سابقون في الحكومات السابقة إضافة إلى بعض الوجوه الجديدة، وأيضا منها أعضاء من المهجر الأروبي والأمريكي، والذين يحملون أعلى الشهادات العلمية والتجربة العملية الواسعة في البلدان التي أتوا منها، ومنهم نشطاء سابقون في المنظمات الإغاثية المحلية والإقليمية والدولية.
المحاصصة العشائرية وحجم الحكومة
خضعت الحكومة الجديدة لصيغة المحاصصة السياسية المعمول بها؛ حيث تم تقسيم المجتمع الصومالي لخمس كتل عشائرية رئيسية، أربعة منها تسمى بالعشائر الكبيرة والقوية والتي استأثرت بالنفوذ، والعشيرة الخامسة التي هي تجمُّع للمكونات الأخرى، أما حجم مجلس الوزراء فدائما ما يثير جدلا كبيرا بين مؤيد لتشكيلة مختصرة ومعارض لهذه الخطوة، فمن وجهة نظر المؤيدين بضرورة تقليل الحقائب الوزارية لقلة الإمكانيات الحكومية المتاحة ، كما يمكن الاستفادة من الموارد التي ستوفرها هذه الخطوة في المجالات الأخرى، ولكن المعترضين يجادلون بأن المصالحة الوطنية لم تكتمل والحاجة إلى تمثيل جميع الكتل تتصدر الأولويات،وحتى لا تحدث انتكاسة للجهود والمكتسبات التي تحققت على الأرض لا بد من حكومة ذات قاعدة عريضة.
حكومة شبه حزبية
لا توجد أحزاب سياسية في البلاد تدير الحياة السياسية وتتقاسم السلطة حسب الاستحقاق الانتخابي وأصوات كل حزب ولكن التيارات الدعوية أو ما يسمى بـ “الحركات الإسلامية” تملأ فراغ الأحزاب من حيث الشكل أما من حيث المضمون فإن المحاصصة العشائرية تحل وتقوم مقام الأحزاب، ويلاحظ هيمنة الإسلاميين على الحكومات المتعاقبة في العقود الأخيرة.
نصيب المرأة
من أصل 26 وزيرا شغلت المرأة ثلاث حقائب وزارية ؛ أي بنسبة 12% من التشكيلة المعلنة، لتنخفض هذه النسبة إلى النصف مقارنة بالحكومتين السابقتين؛ حيث كان نصيب المرأة 6 حقائب في حكومة “خيري” بينما حصلت في حكومة روبلي على 4 حقائب بمجلس الوزراء.
ردود الأفعال السياسية والشعبية
بالنظر إلى سقف التوقعات المرتفعة والآمال التي كانت معقودة على الحكومة الجديدة فإن التشكيلة المعلنة لم تنل الترحيب المنتظَر من الأوساط السياسية والشعبية كما كان معهودا بإصدار البيانات من أبرز السياسيين وحكام الولايات وذلك لإظهار امتعاضهم وخيبة أملهم من التشكيلة الجديدة التي تبدو حكومة الحزب الواحد برغم أن هذا الحزب لا يمثل الأغلبية في مجلس الشعب، وقد اختار الرئيس ورئيس الحكومة إرضاء المقربين منهم وتحقيق الوعود الانتخابية على حساب الكفاءة والخبرة. ومع ذلك نالت الحكومة ثقة مجلس الشعب في تقديرنا لعاملين يتمثل الأول في أن لا أحد في مجلس الشعب مستعد لتبعات خطوة من قبيل رفض هذه الحكومة ودخول البلاد في المجهول في حين أن الثاني يتمثل في الحسابات والتقاليد السياسية الراسخة التي تقضي بإعطاء الفرصة للحكومة الأولى، ولم يسجل التاريخ إرجاع حكومة مع بداية إدارة رئيس جديد عبر التاريخ السياسي الصومالي. ([3])
برنامج الحكومة
برنامج الحكومة هو المقياس الذي بموجبه نستطيع تقييم أداء الحكومة؛ فبحسب ما تنجزه من برنامج عملها يتوقف على نجاحها أو إخفاقها، وحسب ما أعلن رئيس الحكومة فإن برنامج الحكومة يتكون من ست ركائز،وهي: بسط الأمن والاستقرار، وتحقيق العدالة واستقلالية القضاء، واستكمال المصالحة الوطنية، وإنعاش الاقتصاد، وتنمية الخدمات الاجتماعية، وانتهاج سياسة خارجية قائمة على التعايش السلمي، وتدور هذه الركائز على أولويات في 12 محورا. ([4])
1. إنهاء أزمة الجفاف
تسببت أزمة الجفاف بنفوق ملايين الرؤوس من الثروة الحيوانية التي تعتبر أهم دعائم الاقتصاد الصومالي، ويُعزى تكرار الجفاف لظاهرة تغير المناخ في العالم وتذبذب مواسم الأمطار وجفاف الأنهار وغور مصادر المياه، بالإضافة إلى الفشل في التنمية وعدم الاستعداد المبكر لمواجهة خطر الجفاف، وتشهد الصومال أسوأ موجة جفاف تضرب في القرن الأفريقي منذ 40 عاما، وهذا يفوق على قدرات الدولة ويحتم طلب الدعم الدولي والإقليمي ومناشدة المانحين والهيئات الإغاثية الإقليمية والدولية. وعلى الرغم من بذل الحكومة الجديدة جهودا كبيرة للحيلولة دون تفاقم الأزمة وتجنب الأسوأ وحتي لا تصل لإعلان المجاعة وتشكيلها اللجان الإغاثية والوطنية لمساعدة المتضررين بالجفاف، وتعيين الرئيس مبعوثا خاصا له لتنسيق جهود الإغاثة للمتضررين وتخفيف وطأة المعاناة الإنسانية، وبوادر هطول بعض الأمطار وارتفاع نسبة الاستجابة إلى 65% إلا أن المأساة الإنسانية أثرت على قرابة نصف سكان الصومال وفق إحصاءات وكالات الأمم المتحدة.
2. الاستقرار السياسي
تملي المرحلة الراهنة على القيادة السياسية في البلاد إحداث استقرار في الأوضاع السياسية وتجنب الخلافات المتكررة التي قوضت الأداء الحكومي وأصابتها بالشلل، وبالفعل فإن رئيس الحكومة حمزة عبدي بري أعطى انطباعا بالتناغم مع الرئيس حسن شيخ محمود، وهو ما سيبدد المخاوف من تكرار هذه الخلافات بين هرم السلطة التنفيذية، ولكن يخشي المراقبون من اندلاع خلافات حادة مع حكام الولايات وخاصة ولايتي جنوب الغرب وبُونتلاند، وذلك لعدم ترحيبهما بالتشكيلة الجديدة بسبب عدم التشاور مع حكام هذه الولايات ولكن الأمل معقود على القيادة السياسية في البلاد بتحمل مسئولياتها، والتحلي بالحنكة والصبر والشجاعة وتقديم المصلحة العليا للبلاد، وجعلها فوق كل اعتبار.
3. استكمال المصالحة
شعار الرئيس الصومالي هو “صومال متصالح مع نفسه ومتعايش مع العالم” وتجسيدا لهذا الشعار لا بد من ترجمته إلى أرض الواقع؛ لأن مجتمعا متصالحا مع نفسه يمكن أن يتفق على صيغة سياسية ويحارب الإرهاب والتطرف، فالتفاهمات السياسية تأتي في أجواء التصالح والتراضي وليست في أجواء الخصومات والتدابر، ولهذا فمن صميم أولويات الحكومة استكمال المصالحة الوطنية؛ لأن الجروح التي خلفتها الحرب الأهلية لم تندمل بعد، وإن خفت بعض آثارها فهذا لا يعني أن الحقوق تسقط بالتقادم، ولهذا ينبغي عقد مؤتمرات مصالحة في المحافظات المختلفة لمعالجة جذور النزاعات واستئصال شأفتها، وكذلك إنشاء لجان تحري الحقيقة والمصارحة لرد الاعتبار للمظلومين، ورد الحقوق إلى أصحابها وفتح صفحة جديدة.
إن هذا الشعار يشير إلى الواقع السياسي السائد في البلاد، والذي لا يمكن تجاوزه بمجرد رفع شعارات براقة فقط، بل يتطلب إعادة بناء جسور الثقة والتواصل بين الفاعلين السياسيين على أرضية مشتركة تجمع الكل وتحفظ الحقوق السياسية والإدارية المنصوصة في الدّستور ، وبالتالي فإن التنازل من أجل المصلحة الوطنية العليا بداية الطريق نحو إعادة الثقة المتبادلة بين القوى السياسية الصومالية.
4. تحقيق الأمن وتأهيل القوات المسلحة
يولي رئيس الحكومة لملف الأمن أولوية قصوى؛ ولهذا يسعى لاستكمال بناء القوات المسلحة حسب خطة الانتقالية للاستقرار (STP) إدراكا منه لأهمية القوات المسلحة في الحفاظ على سيادة البلاد والدفاع عن حدوده وأمنه وفرض القانون والنظام واستعادة هيبة الدولة برفع قدرات القوات المسلحة الصومالية تدريجيا حتى الوصول لاستلام مهامها الطبيعية والاستغناء عن بعثة القوات الأفريقية لحفظ السلام في الصومال.
ويذكر أنه في الـ 19 من شهر أغسطس المنصرم تم استهداف “فندق الحياة” في مقديشو، وبدأت العملية بهجوم مزدوج وتفجيرات انتحارية خلّفت عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين. ومنذ ذلك الحدث الأليم فقد أخذت الحكومة الفيدرالية زمام المبادرة، ونجحت في تعبئة الأهالي في المحافظات ضد حركة الشباب وإطلاق عمليات عسكرية بالتعاون مع مقاتلين محليين في العديد من مناطق ولايتي هيرشبيلي وغالمودوغ بوسط الصومال، وهي خطوة لاقت استحسان الشعب الصومالي الذي شمَّر هذه المرة لدحر حركة الشباب بعد عقدين من الخنوع والاعتقاد بأن هزيمة الحركة غير ممكنة.
5. مراجعة الدستور وفدرلة البلاد
عملية مراجعة الدستور الفيدرالي المؤقت يتوقف عليها إعادة بناء مؤسسات الدولة بفروعها التنفيذية والتشريعية والقضائية، وقد طالت هذه العملية أكثر من اللازم، وأصبحت عملية مفتوحة تراوح مكانها منذ إقرار الدستور الفيدرالي مؤقتا عبر جمعية تأسيسية مكونة من 825 مندوبا من كافة شرائح المجتمع في أغسطس 2012م، مما فتح المجال لآمال عريضة تمهد الطريق لإحداث الاستقرار السياسي والاستتباب الأمني والازدهار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي وصولا إلى جمهورية فيدرالية ذات سيادة، وديمقراطية تقوم على العدالة الاجتماعية والفصل بين السلطات وسيادة القانون، وترسم خطوط عريضة بين هذه الهيئات للحد من الخلافات المتكررة التي تنشب بين الهيئات الفيدرالية وبينها وبين الولايات الأعضاء في الدولة الفيدرالية؛ إذ أن الهدف الأساسي هو بناء دولة المؤسسات الراسخة ([5])
إن تحقيق تقدم سياسي يعتمد على إنجاز دستور دائم يليق بجمهورية الصومال الفيدرالية للمصادقة عليه في استفتاء شعبي، وهو تحدٍ كبير ومسألة عالقة منذ 2012، ومن الممكن إنجاز دستور يحظى بقبول غالبية الشعب وتكوين الولايات الفيدرالية على أساس من الشرعية وتسريع وتيرة عملية مراجعة الدستور وعدم إضاعة الوقت في الأزمات السياسية والأمنية وتشكيل اللجان الضرورية وإصدار التشريعات اللازمة يعد من مفاتيح الحل السياسي.
6. تحقيق العدالة
هناك أزمة متفاقمة في القضاء الصومالي من حيث هيكله وإدارته ومهنيته وحرفيته الوظيفية وأدوات عمله، كل هذه النواحي تحتاج إلى إصلاح شامل، ومما عطل إصلاح الجهاز القضائي نشوب الخلافات السياسية والأزمات التي لم تترك للمسؤولين تنفيذ التوصيات التي تمخضت عن مؤتمر إصلاح القضاء الذي عقد في العاصمة الصومالية في الفترة من 1 أبريل إلى 5 لعام 2013، وهو مؤتمر شارك فيه حوالي 150 خبيرا قانونيا من الصوماليين والأجانب، مع العلم أن وجود جهاز قضائي عادل ومستقل سيساهم في بسط الأمن والاستقرار.
7. السياسة الخارجية
ترتكز السياسة الخارجية الصومالية على مبادئ احترام القانون الدولي وحسن الجوار والتعاون والتكامل الاقتصادي، وخاصة مع جيرانها، وبالتالي يُفترض أن تسعى إلى بناء شراكة وثيقة مع امتدادها الجغرافي والتاريخي ودول العالم قاطبة مما يسهم في حفظ الأمن والسلم الدوليين. ومن هذا المنطلق يرى المراقبون أن العلاقات الخارجية ستزدهر مع المجتمع الدولي وخاصة مع الحلفاء التقليديين للصومال سواء في محيطها العربي أو الأفريقي ؛ فهي علاقات استراتيجية تنبع من ضرورة الجغرافيا والديموغرافيا وتمليها المصالح السياسية والثقافية والتكامل الاقتصادي والتجاري والمصير والمآل المشترك. والجدير بالذكر أن العلاقة مع دولة معينة لن تكون على حساب دولة أخرى بالضرورة.
8. محاربة الفساد وتحقيق الحكم الرشيد
يصنف الصومال كأكثر بلدان العالم فسادا حسب منظمة الشفافية العالمية، ورغم عدم تسليم كثير من الصوماليين على هذا التصنيف مشككين في المعايير التي استند عليها، إلا أن الحقيقة الثابتة هي أن الفساد موجود ومستشرٍ في أجهزة الدولة، والسبب يعزى لعوامل عدة، منها غياب المحاسبة، وضعف أجهزة الرقابة، وقلة الوعي لآفة الفساد، لم تقم الحكومات المتعاقبة بجهد ملموس لتغيير الصورة النمطية السائدة عن الصومال، والمنتظر من الحكومة الجديدة إحداث ثورة ضد الفساد السياسي والمالي والإداري مستخدمة الفعاليات الحية كالمساجد ووسائل الإعلام المختلفة بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات الفكرية والفن وغيرها من الوسائل المتاحة بهدف إطلاق حملة مكافحة الفساد الذي لطخ وشوَّه سُمعة البلاد، ولاستحداث نموذج ذهني مغاير للصورة التي ارتسمت في الرأي العام العالمي والإقليمي والمحلي، وبعث رسالة مفادها أن الفساد لا محل له في الصومال الجديد.
9. إنعاش الاقتصاد
تسعى الحكومة الجديدة إلى إنعاش الاقتصاد الصومالي وخلق إيرادات إضافية من خلال جمع الضرائب المختلفة من المواطنين لتعود عليهم بشكل خدمات، ويعول الشعب على الحكومة الجديدة في إحداث نقلة نوعية في الأوضاع الاقتصادية المتردية وخلق فرص عمل للشباب العاطلين ومضاعفة وزارة المالية والبنك المركزي من جهودهم في تنفيذ برنامج الحكومة على أحسن وجه وتحسين الأوضاع المعيشية الصعبة للشعب الصومالي باتباع سياسات مالية ونقدية قادرة على إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية.
تواصل الحكومة إحراز تقدم في مسيرة عملية الإعفاء من الديون عن طريق مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، ويُتوقع أن تصل البلاد لنقطة الإنجاز بإعفاء 90% من ديونها البالغة 5 مليارات بحلول منتصف 2023؛ وذلك بفضل الإصلاحات المالية التي يُفترض أن تقوم بها الحكومة الصومالية بما فيها زيادة الإيرادات المحلية ، وتعزيز الإدارة المالية العامة ، وتعميق قدرة البنك المركزي ، وتعزيز الحوكمة على الرغم من الصدمات السابقة التي واجهها الاقتصاد الصومالي، مثل: جائحة كورونا وتداعياتها السلبية، والتغيرات المناخية ، وارتفاع أسعار السلع الضرورية، وطول أمد الانتخابات، الأمر الذي فاقم الضغوط على الأمن الغذائي بسبب الزيادة في أسعار الغذاء والطاقة العالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.([6])
10. الخدمات الاجتماعية
تحاول الحكومة إعادة الخدمات العامة كالتعليم والصحة وذلك بإنشاء مدراس ومراكز صحية لتلبية احتياجات المواطنين المتزايدة وبتطبيق توصيات المؤتمر الوطني لشؤون التعليم الذي أوصى بوضع سياسة تعليمية حكومية وتوحيد المناهج الدراسية؛ وقد تم سابقا إطلاق مبادرة “اذهب إلى المدرسة” التي تمنح فرصة تعليمية لمليون طفل صومالي مجانا في كل ربوع البلد ولكن المبادرة لم تنجح لحد الآن، أما في مجال الصحة العامة فالحكومة تسعى إلى تحسين مستوى خدمات عدة مستشفيات حكومية كمستشفى بنادر ومستشفى المدينة، وذلك من خلال تقديم خدمات صحية مجانية للمواطنين كالإسعافات الأولية بشكل متوازن وشفاف.
وبحسب البرنامج الحكومي المعلَن تسعى الحكومة لتحسين الخدمات الأساسية وخاصة توفير الكهرباء بتكلفة ميسورة لتحريك عجلة التنمية والحد من الفقر وزيادة دخل الأسر، وتحسين مناخ الأعمال، وخلق فرص عمل بالتعاون مع المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، ويعد الحصول على الكهرباء شرطا أساسيا لتوفير خدمات صحية وتعليمية مناسبة، وكذلك للاستجابة بفعالية للطوارئ والأوبئة والمشكلات المستقبلية. وهناك مشروع تنموي بتكلفة 150 مليون دولار في مجال تعزيز الخدمات الصحية والتعليمية من خلال توفير الكهرباء لـ 205 منشأة صحية و380 مدرسة، وتعتبر تكلفة الطاقة في الصومال من بين أعلى المعدلات في العالم وفقا للبنك الدولي، ويعتمد تصميم هذا المشروع على “خبرة البنك الدولي في دعم المؤسسات المحلية في البلدان المتضررة من الهشاشة والصراع والعنف، بهدف تعزيز المعرفة والقدرة المحلية لتحسين تقديم الخدمات وإعادة البناء بشكل أفضل باستخدام حلول صديقة للبيئة ومرنة”، بحسب إيريك فيرنستروم مدير ممارسات البنك الدولي للبنية التحتية في جنوب وشرق أفريقيا.
يرى البنك الدولي أن الحكومة الصومالية بصفتها عضوًا نشطًا في مبادرة القرن الأفريقي مؤهلة للاستفادة من الفرص التي يوفرها التكامل الإقليمي لتخطي إنشاء البنية التحتية الأساسية للنقل والحصول على كهرباء متنوعة ومنخفضة التكلفة .([7])
11. حقوق الإنسان
تسعى الحكومة الجديدة إلى تحسين سجل حقوق الإنسان في الصومال؛ فكثير من الفئات تتعرض لانتهاكات جسيمة نتيجة لغياب القانون والنظام، وتعاني البلاد من نقص المعرفة بحقوق الإنسان كحق الحياة والتجمع والتعبير عن الرأي والتعليم وغيره، فمثلا النساء والأطفال يتعرضون لانتهاكات من بينها تجنيد الأطفال في الحروب واستغلال عمالة النساء والأطفال بأجور متدنية وكذلك هناك اتهامات قدمتها منظمات حقوقية ضد بعثة قوات الاتحاد الأفريقي، ومن ذلك القيام باعتداءات جنسية واستغلال ظروف نساء صوماليات من مخيمات النازحين، كما تلتزم الحكومة بحماية الفئات المهنية كالقضاة والصحفيين الذين يتعرضون لتهديدات تصل إلى حد التصفية الجسدية.
12. إجراء الانتخابات المباشرة
أخفقت الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد في إجراء انتخابات عامة وإلغاء قاعدة المحاصصة العشائرية المعروفة بصيغة 4.5 التي تُستخدم حاليا لتقاسم المناصب السياسية في الحكومة والبرلمان، والمطلوب من الحكومة الجديدة عقد الانتخابات المباشرة في البلاد التي تتطلب حنكة سياسية واستقرار أمني وتوفير الميزانية اللازمة وإصدار التشريعات الضرورية وتهيئة المتطلبات الفنية ليسهل لها التغلّب على هذه التحدّيات وتجاوز تلك العقبات.
الخاتمة
بالنظر إلى تسارع الأحداث وتعدد الجولات المكوكية التي قام بها مؤخرا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في عدد من الدول الهامة في المنطقة تبدو الفترة الحالية أكثر جدية وفعالية، وينظر المراقبون إلى ما ستؤول إليه الحملة العسكرية الحكومية الشعبية (المزدوجة) ضد حركة الشباب، وهو ملف سنفرد له تقريرا خاصا، ويُعتقد أنه بقدر نجاح الحكومة في ذلك الملف الأمني يكون نجاحها العام في الملفات الأخرى. وبطبيعة الحال يُفترض أن توليَ الحكومة أولوية قصوى بملف الأزمة الإنسانية وذلك من خلال القيام بتحرك عاجل وفاعل لإغاثة المتضررين وإيجاد حلول مستدامة تكسر دورات الجفاف المتلاحقة، وتوفّر مصادر مياه دائمة مع توسيع رقعة الأراضي الزراعية ضمن جهود إنعاش الاقتصاد واستكمال استحقاق مراجعة الدستور وغيرها من الملفات ذات الأولوية.
وعلي الرغم من وجود كل هذه التحديات أمام تحقيق الأمن والاستقرار وإنجاز دستور دائم، وتطبيق النظام الفيدرالي، وإجراء الانتخابات المباشرة فإن لدي الحكومة فرصة لعكس التحديات وتحويلها إلى مكاسب، وإشاعة أجواء من الثقة والإيجابية بإشراك الشعب في مواكبة تنفيذ برنامج الحكومة وتفنيد الشكوك التي تحوم حولها وإزاحة الإحباط والمشاعر السلبية التي سيطرت على النخب والأوساط الشعبية علي حد سواء.
المراجع والمصادر
[1] – VOA.VOA. [متصل] 2022. https://www.voasomali.com/a/baarlamaanka-soomaaliya-oo-ansixiyay-xukuumadda-cusub-ee-ra-isul-wasare-xamsa-cabdi-barre/6690288.html
[2] – الشافعي أبتدون. العربي الجديد. [متصل] 2022. https://www.alaraby.co.uk/politics/مختار-روبو-من-%22حركة-الشباب%22-إلى-الوزارة.
[3] – . VOA.VOA. [متصل] 2022. https://www.voasomali.com/a/6683724.html.
[4] – الصومال الجديد. [متصل] 2022. https://alsomal.net/حكومة-المصلحة-الوطنية-الصومالية-الجد/.
[5] – علي شيخ يوسف. مركز الصومال للبحوث ودراسة السياسات. [متصل] 2022. https://somaliacenter.com/2022/08/29/الصومال-مراجعة-الدستور-الفيدرالي-الم-3/.
[6] – المصدر السابق. [متصل]
[7] – مصدر سابق. [متصل]