الأخبارالسياسةالصومالتحليلاتمقالاتمقالات الرأيوجهات نظر

الصومال ومصر… تحالف استراتيجي وتكامل اقتصادي

الصومال ومصر… تحالف استراتيجي وتكامل اقتصادي

مقدمة

اختتم الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بزيارة رسمية إلي مصر هي الثالثة له منذ انتحابه في 15 مايو 2022 في الفترة من 13-16 أغسطس 2024 مما يدل علي عمق العلاقات الثنائية والمصير والمآل المشترك بين البلدين الحليفين وخاصة بعد التطورات الأخيرة بالمنطقة والمتمثلة في الاطماع الأثيوبية في المياه الإقليمية الصومالية وأزمة سد النهضة وتعمد إثيوبيا الحاق الضرر بالمصالح المائية لمصر في مياه النيل بعد بدء الملء الخامس لسد النهضة وتفاقم المخاطر و المهددات الأمنية في البحر الأحمر.

ناقشت الزيارة العديد من الملفات الثنائية والإقليمية والدولية وتعمقت المباحثات حول التعاون السياسي والأمني والاقتصادي والثقافي وتم توقيع مذكرة تعاون عسكرية من شأنها رفع قدرات الجيش الصومالي من حيث التدريب والجاهزية القتالية لدحر حركة الشباب الإرهابية التي تعد العقبة الرئيسية لاستقرار الصومال والتعافي الاقتصادي والازدهار والرخاء الاجتماعي.

الملفات الثنائية

 تتميز العلاقات الثنائية بمساراتها المتعددة سواء المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعيةـ خاصة التعليمية والصحية والثقافية في ضوء تشابك المصالح المتبادلة والأهداف المشتركة بين البلدين الشقيقين.

التعاون السياسي والدبلوماسي

ترتكز العلاقات الصومالية المصرية علي ثوابت الترابط التاريخي والوشائج والصلات الاجتماعية بين البلدين والتي تضرب جذورها في التاريخ، وكان لمصر دور مشرف في النضال الوطني ضد الاحتلال حيث استشهد كمال الدين صلاح في سبيل نيل الصومال لاستقلاله؛ واليوم تطورت العلاقات بين البلدين واضحت علاقة عضوية ومآل مشترك وتعاون غير مسبوق في كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الدكتور حسن شيخ محمود.

تتجلى العلاقة المتميزة والتعاون الوثيق بين البلدين بكون الوجهة الخارجية الأولي لوزير الخارجية المصري السيد بدر عبد العاطي كانت لمقديشو وجيبوتي لتدشين خط مصر للطيران والتي ستسهل تنقل الأفراد والبضائع وتقوي التبادل التجاري والثقافي بين البدين؛ وانتقال السفارة المصرية من نيروبي لتباشر عملها من مقديشو بالتزامن مع زيارة الرئيس الصومالي للقاهرة؛ علاوة علي ذلك من المقرر أن يقوم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة الصومال في نهاية هذا العام أو بداية العام القادم حيث كانت آخر زيارة لرئيس مصري للصومال في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.

إن تطور العلاقات بين البلدين ليس وليد اللحظة والتحديات الطارئة ويخطئ من يختزل التعاون السياسي في الظروف الراهنة والأحداث القائمة؛ وإنما الصومال ومصر حليفان استراتيجان منذ القدم ووقفت الصومال مع مصر علي الدوام وحتى عندما تعرضت للمقاطعة علي خلفية توقيع اتفاقية كامب ديفيد (1979-1989) فكانت الصومال واحدة من ثلاث دول عربية رفضت مقاطعة مصر حيث اعتبرت أن مصر مارست سيادتها حسب ما تقتضيه مصالحها الوطنية؛ وفي المقابل فإن مصر ساندت الصومال في كل المحافل ودعمت الحق الصومالي بكل قوة ورمت كل ثقلها الدبلوماسي للوقوف إلي جانب الصومال بعد ابرام إثيوبيا مذكرة تفاهم غير قانونية مع إقليم صوماليلاند الذي هو جزء لا يتجزأ من أراضي جمهورية الصومال.

 انتصرت الدبلوماسية الصومالية علي المطامع الإثيوبية ودوافعها الاستيطانية لمحاولة استقطاع شريط ساحلي وإقامة قاعدة عسكرية عليها وحولت الانتهاك إلى فرصة بفضل التضامن العربي والإقليمي والدولي وكان لمصر دورا حاسما في الوقوف مع الصومال لتحقيق هذه المكاسب في المحافل الدولية والإقليمية حتي رضخت أثيوبيا للضغط الدولية وطلبت الوساطة من كينيا وقطر وتركيا بعد أن أصبحت معزولة دبلوماسيا، وبعد عقد جولة مفاوضات غير مباشرة في نيروبي وجولتين في أنقرة لا زالت إثيوبيا تراوغ وترفض التنازل عن مذكرة التفاهم غير القانونية وتحاول أن تعظي للعالم انطباعا خادعا بأنها تحترم سيادة الدول بينما تصر علي ابتلاع أراضي الغير والوصول لمنفذ بحري بكل طريقة ممكنة.

الصومال مستعد لتلبية احتياجات إثيوبيا بشكل ودي كما كان يفعل دوما لتصدير واستيراد البضائع والسلع من الموانئ الصومالية مراعية قواعد حسن الجوار وحاجة كل دولة للأخرى في تأمين مصالحها المتعددة دون قيود أو شرط مجحفة لأن الصومال ستجني فوائد اقتصادية كبيرة وتعول علي السوق الإثيوبية ولا تنوي صدها عن الوصول الشرعي للبحر طبقا لاتفاقية قانون البحار ولكنها لن تفرط في سيادتها واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها تحت أي ذريعة من الذرائع علما بأن إثيوبيا ليست الدولة الوحيدة الحبيسة في العالم فهناك 44 دولة حبيسة في العالم منها تقريبا 12 دولة أفريقية؛ وكل هذه الدول تعيش بسلام ووئام مع جيرانها دون التهديد والوعيد للوصول للبحر فهي مسألة طبيعية طالما لا توجد نوايا أخرى يستشف منها الإصرار العجيب في الحصول على منفذ بحري لم يهب الله لهذه الدولة في خريطتها الجغرافية.

الدفاع المشترك والتعاون الأمني

إن الاتفاقيات الأمنية والعسكرية والتنسيق المتواصل بين البلدين يحدث التوازن الأمني المطلوب في منطقة القرن الأفريقي من خلال الانخراط في التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة بين القوات المسلحة للدولتين (الشرطة والجيش والمخابرات)، وايصال الدعم اللوجستي والتقني للمؤسسات الأمنية الصومالية لفرض الأمن والاستقرار في ربوع البلاد الذي بدأت تتحسن في الأوضاع الأمنية تدريجيا وسيقطع الطريق  علي  الأطراف الإقليمية الأخرى لإبعاد الصومال عن محيطه العربي.

إن المتغيرات الجيوسياسية الإقليمية وانفراط السياسات الدولية يفرض علي الصومال انتهاج سياسة توازن بين محيطه العربي والأفريقي من جهة وعلاقاته خارج محيطه الجغرافي حتي يحافظ علي أمنه واستقراره والتعاون مع الدول التي تحترم سيادته واستقلاله السياسي وسلامة أراضيه.

التبادل التجاري

يعتبر التبادل التجاري بين الصومال ومصر ضعيفا في المرحلة الراهنة وذلك لما مرت به الصومال من ظروف عصيبة في العقود الأخيرة ولكن مع تحسن الأوضاع في الصومال تدريجيا؛ فإن هناك مؤشرات مشجعة لزيادة التبادل التجاري بين البلدين وحسب بيانات الجهازي المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر  ارتفعت قيمة الصادرات المصرية إلى الصومال لتصل إلى 54  مليون دولار خلال الـ11 أشهر الأولى من عام 2023 مقابل  42.3 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2022 بنسبة ارتفاع قدرها 27.7 %؛ وبلغت قيمة الواردات المصرية من الصومال 2.2 مليون دولار خلال الـ11 أشهر الأولى من عام 2023 مقابل 2.2 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2022 . كما أظهرت البيانات ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين مصر والصومال لتصل إلى 56.3 مليون دولار خلال الـ11 أشهر الأولى من عام 2023 مقابل 44.5 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2022 بنسبة ارتفاع قدرها  26.5%.؛ ويسعي البلدان لزيادة هذه الأرقام في الفترة القادمة لتصل إلي الحجم الذي يليق بمستوى العلاقات كشريك اقتصادي بعد تدشين خط طيران مباشر بين البلدين وخاصة بوجود اتفاقيات ثنائية في مجال التجارة والصناعة تحتاج فقط وضعها في موضع التنفيذ.

ويعتزم البلدين تنظيم ملتقيات لرجال الأعمال الصومالي-المصري بنسخ جديدة بعد عقد عدد من هذه الملتقيات في الأعوام السابقة بين الجانبين لبحث الفرص الاستثمارية الممكنة ودعوة ممثلي القطاعات الحكومية والشركات ورجال الأعمال للاستثمار في أسواق البلدين في المجالات الواعدة مثل مجالات ،الزراعة والإنتاج الحيواني،الطاقة والمياه، النفط والغاز،النقل البري والبحري، الطيران، البنوك،الإتصالات وغيرها لخلق آلاف فرص العمل والقضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة بما يعود بالنفع على الجانبين ومناقشة سبل تذليل العقبات التي تعترض دون الاستفادة من هذه الفرص الاستثمارية الهائلة في كل من البلدين ولا سيما مع توفر إرادة سياسية قوية من القيادتين للوصول إلي التكامل الاقتصادي المنشود في الوقت الذي تم وضع اللمسات الأخيرة علي افتتاح فرع بنك مصر في الصومال لتسهيل المعاملات التجارية والصفقات الاستثمارية.

التعاون الثقافي

مصر معروفة بعطائها الثقافي ونشرها للعلم والمعرفة في العالم سواء العلوم الشرعية التي نهل منها العالم الإسلامي عبر البعثات الأزهرية التعليمية المنتشرة في ربوع العالم الاسلامي، وتعتبر مصر مصدرا ورافدا مهما حيث تخرج منها العديد من الطبقة المثقفة والتي كان لها دور قيادي في المجتمع الصومالي بكافة أطيافه ولا زالت قبلة العلم والثقافة وبادر فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيادة المنح الدراسية المخصصة للصومال لتصبح أكبر بلد يستفيد من المنح التي تقدمها جمهورية مصر وذلك لطبيعة العلاقات المتميزة تساهم في نهضة وتنمية الصومال في كافة المجالات وتقديم التسهيلات للطلبة الصوماليين الراغبين في الدراسة في مصر.

 وفي يناير 2023 وقع كل من الدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة المصرية وداؤود أويس جامع، وزير “الإعلام والثقافة والسياحة الصومالي مذكرة تفاهم يتبادل الجانبان الاشتراك في المهرجانات الفنية التي تقام في كلا البلدين بما في ذلك: المسرح، وعروض الفلكلور والتراث ومسرح الطفل وحضور الملتقيات والمؤتمرات والندوات الثقافية والفكرية التي تقام في كلا البلدين فضلا عن المشاركة في المعارض الدولية للكتاب التي تنظمها  مصر سنويا وهي : “معرض القاهرة الدولي للكتاب” الذي يقام في شهر يناير من كل عام، و”معرض القاهرة الدولي لكتب الأطفال” الذي يقام في شهر يونيو من كل عام، و”معرض الاسكندرية العربي للكتاب” ويقام في شهر أغسطس من كل عام وتبادل إقامة الأسابيع الثقافية التي تشتمل على جميع أوجه الأنشطة الثقافية.

التعاون الإقليمي

شهدت منطقة القرن الأفريقي والتي تعد إحدى بؤر الأزمات في العالم تطورات سياسية متلاحقة وتوترات أمنية تنذر بجولة جديدة من الصراع بين الدول أو بين الدولة نفسها؛ فإثيوبيا تشهد صراعات داخلية بين مكوناتها منذ فترة بينما علاقاتها مع الصومال وإرتريا تشهد تدهورا كبيرا؛ كما أن السودان انزلقت في حرب أهلية طاحنة وجيبوتي في صراع حدودي مع ارتريا؛ فكل هذه الصراعات تحتاج إلي تسوية واحتواء قبل أن تتطور إلي حرب شاملة ستزيد من وطأة المشاكل والأزمات التي تعاني منها المنطقة والتي يدفع ثمنها الشعب والمواطن المغلوب علي أمره؛ ولهذا حرص الرئيسان علي وضع حد لهذه الأزمات وتسوية النزاعات حتى تنعم المنطقة بالأمن والاستقرار .

الشأن الدولي

تطرقت المباحثات المغلقة بين الرئيسين إلي الملف الدولي وما يجري في الأراضي الفلسطينية من عدوان والأوضاع المتصاعدة في لبنان والمخاوف من انزلاق المنطقة إلي حرب شاملة بين إيران وإسرائيل وقرب الانتخابات الامريكية واحتمال تغير السياسة الخارجية الأمريكية في حال عودة ترامب للحكم وانعكاساتها علي العالم والمنطقة؛ وتتزامن كل هذه التطورات مع فوز الصومال بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي والالتزامات والمسؤوليات المترتبة علي هذا الاستحقاق أفريقيا وعربيا وعالميا.

الخاتمة

إن الصومال قادر عن الدفاع عن سيادته واستقلاله حتى في أحلك الظروف التي مر بها وهو اليوم أقوي مما كان عليه في بداية التسعينيات وتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين الصومال ومصر ترسل رسائل عديدة مفادها أن الصومال ليس لوحده وإنما له أشقاء وأصدقاء يعتمد عليهم؛ وهو قادر علي توظيف هذه التحالفات لحماية مصالحه والرد على أي خطوة متهورة تستهدف استقلاله وسيادته.

 إن العلاقات الصومالية المصرية ضاربة جذورها في التاريخ؛ ومع أنها شهدت فتورا نسبيا في فترة الرئيس السابق فرماجو لكنها عادت إلي قوتها مع انتخاب الرئيس الدكتور حسن شيخ محمود بل وتطورت وشهدت تقاربا لافتا يكاد أن يصل إلي التماهي والتماثل في كل القضايا الإقليمية والدولية؛ وإن كانت مصر قد ابتعدت عن الشأن الأفريقي عقب محاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك في أديس أبابا في عام 1995 فإن السياسة الخارجية المصرية حاليا قائمة علي ركيزة الاهتمام بالقضايا الأفريقية وخاصة بقضايا منطقة القرن الأفريقي. 

المصادر 

https://www.masrawy.com/news/news_egypt/details/2023/1/9/2352893/توقيع-مذكرة-تفاهم-لتعزيز-التعاون-الثقافي-بين-مصر-والصومال-

 

 

 

 

عبد الرحمن عيسى

دبلوماسي صومالي حاصل على بكالوريوس في العلاقات الدولية . كاتب وباحث في الشؤون الدولية والدبلوماسية، صدر له العديد من التقارير والدراسات في عدد من الدوريات المحكمة إضافة إلى عشرات المقالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى