الفيدرالية في الصومال [ الجدل القائم وجذور المشكلة ]

مقدمة:
[ للاطلاع على النسخة العربية من التقرير بصيغة بي دي إف اضغط “هنا”]
للاطلاع على النسخة الصومالية من التقرير بصيغة بي دي إف اضغط “هنا”
في السنوات القليلة الماضية نجح البرلمان الفيدرالي الصومالي في إنشاء لجنة ترسيم وتحديد الولايات المنوطة بإعداد آلية لفدرلة البلاد بعد نقاش طويل عكس حجم الخلافات والشكوك بين الفاعلين السياسيين، ويوجد في البلاد مناهضون للفيدرالية، كما يوجد مؤيدون لها، والمشكلة أن أي فريق من هؤلاء لا يرى ما يجمع بينه والآخر، وهذا يدل على غياب الرؤية السياسية للفاعلين على المشهد السياسي؛ حيث جل همهم في تولي المناصب وإحراز المكاسب العشائرية والفئوية الضيقة.
جدل الفيدرالية يحتدم وتشتد وتيرته عند اندلاع الخلافات السياسية سواء على المستوى الاتحادي أو الولائي وقرب الاستحقاقات الوطنية، مثل: مراجعة الدستور والانتخابات بين طرفين مغاليين، فريق يقدس الفيدرالية ويراها بلسم الحياة وترياق الحل، وآخر على النقيض من ذلك يشيطن الفيدرالية ويراها ووبالا على هذا الوطن، والحقيقة أن لا هذا الطرف ولا ذاك يطرح البديل وإنما ينتقد الوضع الحالي ويوزع الاتهامات جزافا دون رؤية ثاقبة مبنية على حقائق الواقع ومتطلبات المرحلة.
فالنظام المركزي والنظام الفيدرالي لا يحملان العيب في حد ذاتهما وإنما العيب في فهمنا للنظام السياسي وتطبيقنا الخاطئ له دوما، فكما أخطأنا في تطبيق النظام المركزي نعيد الكرة في إساءة تنفيذ النظام الفيدرالي، فالدولة الفيدرالية في مقديشو تنحو منحى دولة مركزية تمسك بكل خيوط السياسة والاقتصاد بعكس الواقع الراهن، وعلى خلاف ما ينص عليه دستور البلاد من توزيع المهام بين المستوى الاتحادي والولائي، بينما تتصرف الولايات وكأنها دول مستقلة ترسم السياسة الخارجية والدفاع في تحد صارخ للدستور وقوانين البلاد؛ مما يخرق السيادة الوطنية أو بالأحرى ما تبقى منها.
الفيدرالية في الميزان
بعد اعتماد النظام الاتحادي في البلاد في عام 2004 لم يعد هناك حكومة مركزية وإنما هناك مركز وولايات؛ حيث يتولى المركز وحده شؤون الدفاع الوطني والسياسة الخارجية والسياسة النقدية وشؤون الهجرة والجنسية وفق المادة 54 من الدستور المؤقت للبلاد؛ ولكن لم يتم تطبيق النظام الفيدرالي بعد؛ حيث من المفترض موائمة مواثيق الولايات مع الدستور الاتحادي والتوافق على القضايا المؤجلة، مثل: تقاسم الثروات، ووضع العاصمة، وإنشاء المحكمة الدستورية في البلاد؛ وذلك لوضع الأمور في نصابها الصحيح.
إن التعريف الأشمل للنظام الفيدرالي هو: تعايش الوحدة و التنوع على أرض واحدة جنبا إلى جنب بصورة متجانسة ودون أزمات كبرى؛ والفيدرالية نمط من أنماط الأنظمة السياسية للدول تتحدد بموجبه مجموعة وحدات سياسية مستقلة (دول، ولايات، كانتونات… إلخ) في دولة واحدة، على أن تتمتع الوحدات السياسية المكونة للدولة باستقلالية واسعة في تدبير شؤونها، وبهياكل مؤسساتية مستقلة تماما عن الحكومة الفيدرالية، مع أن العلاقة بين الطرفين يجب أن تبقى محكومة بمبدأ تقاسم السلطة والسيادة.
وفي النظام الفيدرالي تتوفرُ الولايات الفيدرالية على حكومات كاملة الصلاحيات في تدبيرها للشأن المحلي، في حين تؤول للحكومة الاتحادية السلطات الأربعة المنصوص عليها في الدستور الصومالي المؤقت، كما تتولى جميع الشؤون المالية كتحصيل الضرائب ووضع الميزانية الفيدرالية، ويكون للوحدات السياسية الفيدرالية نصيب من عائدات الضرائب والنشاط الاقتصادي والاستثماري الذي يتم على أراضيها حسب صيغة متفق عليها بالتفاوض.[1]
الفيدرالية هي نظام الحكم الذي يعتمد على تعدد الحكم على المستوىات الاتحادية والولائية والمحلية ويوزع السلطات بينها، وهذا النوع من الحكم في تزايد مستمر؛ وهناك نزوع واضح للبشرية نحو تبني النظام الفيدرالي والنظم اللامركزية عموما خلال العقود الأخيرة، فهذه الأنظمة تتجاوب مع رغبات وتطلعات المواطنين و الجماعات و الأقاليم في البلدان المختلفة، ويبلغ عدد الدول الفيدرالية في العالم أكثر من 40% من دول العالم [2]
وتجدر الإشارة إلى أنه لا توجد دولة فيدرالية تتطابق في نظامها مع دولة أخرى، ولكن توجد خصائص وسمات للنظام الفيدرالي تشترك فيها كل هذه الدول، مع احتفاظ كل دولة على خصوصيتها وهويتها بما يحقق مصالحها ورضا شعبها، والفيدرالية تعرف بأنها اللامركزية السياسية، ولها أنواع منها:
- الفيدرالية التعاونية (المتشابكة ): وفي هذا النوع تكون للولايات مشاركة واسعة في قرارات الدولة من خلال ممثليها في البرلمان الاتحادي وفي الحكومة الاتحادية، والذين يُنتخبون من قبل ولاياتهم، ويكاد ينعدم فيها الخط الفاصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
- الفيدرالية التنافسية: وفي هذا النوع من الفيدراليات تمتلك الحكومة الاتحادية دورا مصغرا في الحكومة المحلية للولاية، في المقابل تؤدي حكومات الولايات دورا أكبر في إدارة شؤونها الخاصة. ومن الدول التي تتخذ هذا النوع من الفيدرالية بلجيكا، استراليا، البرازيل.
- الفيدرالية المتباينة: وهذا يكون عندما يكون هناك تباين بين الولايات الفيدرالية واختلاف في مؤهلاتها السياسية والقومية والجغرافية، وهنا يتم الاتفاق بين الحكومة الفيدرالية وبين الولايات اتفاق فيدرالي إداري معين معتمدا على الواقع المختلف في إمكانيات ومتطلبات كل ولاية لإدارة نفسها، وخير مثال لذلك إسبانيا.
أما الحكم الذاتي أو اللامركزية الإدارية فلا تعد نوعا من أنواع الفيدرالية؛ لكون الولايات لا تشارك في رسم الشؤون السياسية، وتعرف بأنها دولة واحدة مركزية ذات معالم وخصائص قومية ووطنية وثقافية وتاريخية متجانسة، وهذا لا يمنع بالضرورة من وجود خصوصيات قومية أو ثقافية صغيرة أخرى؛ فتقوم الدولة المركزية بتقسيم البلاد إلى محافظات ذات حكم ذاتي تتمتع كل محافظة بقدر كبير من الصلاحيات الإدارية والمالية، وتشترك جميع المحافظات في تشكيلات الدولة المركزية دون تفريق في المساحة أو عدد السكان.[3]
إن ما يحدد شكل وصلاحيات كل من الحكومة الاتحادية والولائية وكل ما يتعلق بشؤون الحكم هو الدستور الذي يعرف بأنه اتفاق مجتمعي مكتوب أو غير مكتوب على كل مجمل الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية التي تهم المجتمع، ويحدد القواعد الأساسية للدولة ونظام الحكم وشكل الحكومة وطبيعة المجلس النيابي، هل يتكون من مجلسين أم من مجلس واحد وأعضاء المجلس وصلاحياته، ودور القضاء واستقلاليته، وينظم السلطات العامة في الدولة من حيث التكوين والاختصاص، وهو أعلى قانون في البلد بحيث لا يعلو عليه أي قانون آخر.
وهذا لا يعني أنه مقدس مثل التنزيل لا يمكن مسه أو تغييره كل ما دعت الحاجة، بل هو من صنع البشر لكي ينظم شؤون حياتهم بعكس ما يجادل به البعض بطرح إشكالية ما الحاجة إلى دستور وعندنا القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والسنة النبوية، ويمكن الإجابة عن هذا التساؤل بأن الدستور اتفاق، وأن القرآن وحي، وأن الدستور يجب أن يتوافق مع الوحي وليس العكس صحيحا، وأن الدين الإسلامي لم يحدد شكلا للحكم لا يجب أن يحيد عنه أحد، وإنما وضع قواعد وأسس لا ينبغي أن يحيد عنها مسلم، ولا يمكن إدارة أي شيء بدون قانون أو نظام ناهيك عن دولة ليس لها قانون ينظم شؤؤنها، وهذا يدل إما على جهل أولئك المجادلين أو أن لهم أهدافا ومصالح غير مصلحة الأمة الصومالية.
مزايا الفيدرالية
هناك مزايا عديدة للنظام الفيدرالي نذكر منها:
- منح الولايات المكونة للدولة الاتحادية ضمانة دستورية بأن صوتها سيُسمع ويكون له وزن
- خلق التوازن بين المستويين الاتحادي والولائي، ما يتيح الرقابة ويبعد فرص طغيان أي طرف.
- يسهم في حماية حقوق جميع الأطراف المنضوية في الاتحاد.
- تشجيع الازدهار الاقتصادي، وذلك بإلغاء الحواجز التجارية التي يمكن أن تكون عائقا.
إشكالات الفدرالية
يوجد عيوب للفدرالية نذكر منها:
- تتطلب معرفة عميقة لا تتوفر ضمن إمكانيات البلاد الاقتصادية.
- اللامركزية قد تشجع النزعات الانفصالية، الأمر الذي يهدد بخطر التفكك أكثر ما يدعوا للوحدة.
- تنوع السلطات وتباينها بين الولايات قد يدعوا إلى الإرباك في تطبيق القوانين.
- يعزز الهويات الفرعية أكثر من الهوية الوطنية الجامعة.
هل الفيدرالية مناسبة للصومال؟
يقول خبراء الدستور أن النظام الفيدرالي يناسب الدولة إذا وجد فيها أحد الأسباب الأربعة التالية:
- الدولة المترامية الأطراف.
- التهديد الخارجي لكيان الدولة.
- خطر الانقسامات .
- الاختلافات الثقافية والاجتماعية.
ونحاول مناقشة هذه العناصر وإسقاطها على أرض الواقع الصومالي الحالي:
- المساحة الجغرافية
فبالنظر إلى العنصر الأول وهو الاتساع الجغرافي نرى أن مساحة الصومال ليست بضخامة روسيا وكندا أو البرازيل، ولكنها كبيرة بالمقارنة مع سويسرا وبلجيكا والإمارات، وكل هذه الدول تعتمد النظام الفيدرالي، ومن هنا نستنتج أن عنصر المساحة الكبيرة ليس هو العنصر الحاسم لتكوين الفيدرالية بدليل أن دول صغيرة ومتوسطة الحجم فيدرالية.
- التهديد الخارجي لكيان الدولة
وكمثال على نشوء هذا النظام الفيدرالي يتجلى في النظام الفيدرالي الأمريكي بموجب دستور الولايات المتحدة الأميركية الصادر في 1787؛ حيث كان في البداية مجموعة كيانات أو مستعمرات تخشى التهديد الخارجي في حال بقاء كل كيان بمفرده، وفي نفس الوقت تسعى لاحتفاظ كل كيان بشيء من الاستقلالية، ومن هذه المعادلة نشأت الفيدرالية الأمريكية التي ألهمت النظم الاتحادية الأخرى في العالم، وهذه الحالة تنطبق اليوم على الصومال، فلم يعد الصومال ذلك البلد الموحد، وإنما أصبح كيانات كل منها يتمتع بالاستقلال الذاتي الفعلي.
- خطر الانقسامات
لعل أبرز مثال على بلد يعاني من خطر الانقسام هو الفيدرالية الأسبانية، حيث يسعى كل من إقليمي الباسك وكتالونيا للانفصال عن بقية إسبانيا، وتكوين دولة كاملة الاستقلال، وهو ما ترفضه بقية الأقاليم، وهذا يشابه إلى حد ما سعى صوماليلاند ” شمال غرب البلاد ” للانفصال، أو التلويح به في بونتلاند ” شمال شرق البلاد ” والحل الأنسب في مثل هذه الوضع هو الفيدرالية.
- الاختلافات الثقافية والمجتمعية
ومثال هذا النوع هو الفيدرالية السويسرية؛ حيث يضم أربعة لغات (الفرنسية والألمانية والايطالية والرومانية) وديانتين هما الكاثوليكية والبروتستانتية، وكذلك الفيدرالية الهندية؛ حيث يوجد فيها أكثر من 106 لغات و2000 مجموعة عرقية وأربع ديانات رئيسة، وهذا ما لا يوجد عندنا في الصومال.
الخلاصة أن عنصرين من هذه العناصر الأربعة تنطبق على الحالة الصومالية الراهنة، ولا مخرج من الأزمة الصومالية إلا بتطبيق الفيدرالية التي نص عليها الإعلان الدستوري الذي انبثق عن مؤتمر إمبغاثي- إلدوريت في كينيا.
المركز والأطراف.. حسابات الخارج
الصومال يجاور ثلاث دول هي: إثيوبيا وكينيا وجيبوتي، فجيبوتي دولة سكانها صوماليون والحدود المشتركة معها قليلة مع الصومال، ولهذا ما يثير المناهضون للفيدرالية دعم هذه الدولتين للنظام الفيدرالي، ويجزمون أن هذا النظام مصمم لتفتيت وتجزئة البلاد إلى كانتونات متصارعة بغية إضعافها وإلحاقها بكينيا وإثيوبيا، ما يعنينا أكثر هو موقف كل من إثيوبيا وكينيا، فإثيوبيا دولة فيدرالية تشترك مع الصومال بحدود طويلة، ويوجد إقليم صومالي كبير ضمن الدولة الفيدرالية الإثيوبية، ويعرف بإقليم الصومال الغربي “أوغادين”.
شجعت إثيوبيا على الفيدرالية في الصومال، وأقامت علاقات مع ولاية بونتلاند وصوماليلاند، وينظر كثير من الصوماليين إلى سياسات إثيوبيا بعين الشك والريبة بتأثير الذاكرة التاريخية، وما يعزز هذه الصورة النمطية من تدخل الجيش الإثيوبي للصومال في 2006 فضلا عن الصراع حول إقليم “أوغادين”؛ حيث خاض البلدان حربين مدمرتين كانت من تداعياتها انهيار النظامين الذين حكما البلدين، إلا أنه في الصومال لم ينهار النظام فقط وإنما انهارت مؤسسات الدولة معه، ولا زالت القوات الإثيوبية باقية في الصومال كجزء من قوات حفظ السلام الأفريقية المرابطة في البلاد منذ أكثر من عشرة أعوام بتفويض من الحكومة الاتحادية ريثما يتم تدريب وتأهيل القوات الحكومية؛ لتكون قادرة على القيام بمهامها الطبيعية.
ولكن رياح التغيير التي شهدتها المنطقة أثبتت خطأ فرضية أصحاب نظرية المؤامرة حول أطماع الجارتين إثيوبيا وكينيا، فإثيوبيا الجديدة تختلف عن إثيوبيا التي عرفها الصوماليون كخصم تقليدي؛ فإثيوبيا اليوم تمر بمخاض عسير قد يقود إلى دخولها في متاهات وصراع إثني والانزلاق إلى حرب أهلية تؤدي في النهاية إلى انفراط عقدها وتفككها،أو على الأقل لم تعد تهتم بما يجري حولها بقدر اهتمامها بشؤونها الداخلية.[4]
أما كينيا المجاورة التي تم على أراضيها اعتماد الإعلان الدستوري الذي تبنى الفيدرالية من خلال مؤتمر إمبغاثي- إلدوريت عام 2004 الذي استمر قرابة عامين، ومع وجود قواتها في مدينة كسمايو كجزء من قوات أميصوم لم يصدر منها ما يؤكد أطماعها في الأراضي الصومالية باستثناء النزاع البحري في محكمة العدل الدولية، وبرغم بعض التوترات بين الحين والآخر في مشكلة اللاجئين الصوماليين التي تؤرق البلدين والأمم المتحدة ووكالات إغاثة اللاجئين، وسعي كينيا لإقامة جدار عازل في الحد الفاصل بين البلدين؛ لم يعرف عن كينيا تحمسها للعب دور فيما يجري بالمنطقة؛ حيث تمارس سياسة النأي بالنفس في أغلب الاستحقاقات الجارية في المنطقة، وهناك تململ شعبي وحراك سياسي متنام في داخلها يطالب بسحب قواتها من الصومال، ولم يعرف عن السياسة الخارجية الكينية الانخراط في الأزمة الصومالية وتعقيداتها.[5]
الخارطة السياسية والديموغرافية
تغيرت الخارطة السياسية والديموغرافية في العقود الثلاثة الأخيرة في الصومال؛ حيث لم يعد الصومال كما كان بلدا موحدا له سلطة مركزية على كامل التراب الصومالي، وإنما أصبح كيانات كل كيان منها يتمتع بالاستقلال الذاتي الفعلي الذي فرضه الأمر الواقع وأملتها الظروف؛ فخطر التفكك يهدد وحدة التراب الصومالي، فهناك ولاية صوماليلاند ( في الشمال الغربي ) تسعى جاهدة للانفصال عن باقي الصومال، وهناك بونتلاند ( الشمال الشرقي ) لا تقل شأنا عن صوماليلاند فعلاقتها مضطربة مع الحكومة الفيدرالية من أيام حاكم الولاية السابق عبد الرحمن فرولي، وولاية جوبالاند لا نستطيع التنبؤ بتفكير زعيمها، وولاية جنوب غرب الصومال لا زالت تشق الطريق وبقية الولايات، كل هذه الولايات نواة لدولة فيدرالية مستقبلية، ويخشى الفريق المناهض للفيدرالية أن هذه التطورات تعد اللبنات الأولى لتقسيم الصومال، وتقطيع أوصاله، والقضاء نهائيا على حلم صومال موحد مستقر سيد على نفسه، ولكن الفريق المؤيد يرى أنه لا يمكن إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وأن الفيدرالية ليست خطرا على البلاد وإنما هي فرصة لبناء صومال جديد يسود فيه الاستقرار والسلام؛ بحيث يلبي حاجات المواطنين بعد أن فشل النظام المركزي في الصومال، ولم تجد الولايات البعيدة عن المركز حصتها في مشاريع التنمية وبناء البنية التحتية.
يرى الفريق المؤيد للفيدرالية أن الصومال في طريقها إلى النظام الاتحادي مهما اعترض المعترضون، وأن أعلى المعترضين صوتاً سيدرك قريباً أن الكلمة الأخيرة ستكون للواقع لا التنظير؛ فالفيدرالية في النّهاية صمّام أمان الصومال الوحيد في ظل ما شهدته من سوء توزيع للدّخل القومي وإقصاء لأراضي شاسعة من الوطن، وتمركز كلّ مساعي التنمية في العاصمة، وهذا ما خلق الوضع الراهن الذي لا علاج له سوى الفيدرالية، بينما يصر الفريق المناهض أن النظام الفيدرالي آلية جديدة لتفتيت الصومال المهدد والمثقل بالأزمات التي انهارت مؤسسات الدولة وتدهورت القيم المجتمعية والديمغرافية لديه، وكان في وحل مستنقع الصراع القبلى – القبلى منذ عقدين، ولهذا يصبح الكلام عن الفيدرالية لعلاج جذور مشاكله ضربا من الجنون إن لم يكن تآمرا على كيانه ومصيره.
فيدرالية دولة القانون أم فيدرالية العشائر والبطون
الجدل حول النظام الفيدرالي هو حديث الساعة منذ 2004 بعد أن أثار النزعات القبلية التي أضحت داء المجتمع الصومالي، وتسعى كل عشيرة إلى الحصول على أكبر قدر من الأراضي لتنال حظوتها ونفوذها في النظام السياسي الذي يقوم للأسف الشديد على أسس عشائرية بدائية تجاوزها القطار وعفا عليها الدهر، ثمة سؤال يفرض نفسه هل يناسب النظام الفيدرالي مجتمعا رعويا يعاني من عدم الثقة المتبادلة، والمزارعون فيه قلة، علما بأن النظام الفيدرالي يتطلب معرفة ودراية عميقة لا تتوفر حاليا في البلاد، وهو سؤال وجيه ولكن مشكلة المشاكل في البلاد ليست الفيدرالية وإنما المحاصصة العشائرية التي تعتبر خطرا داهما على البلاد إن لم يتم تدارك الأمر، ما يحتاجه الصومال هو دولة قانون ونظام يلتزم بالأطر القانونية، وليس إرضاء زعماء عشائر ومتنفذين يعتاشون على مآسي هذا الشعب المغلوب على أمره.
النظام العشائري القائم حاليا يشكل خطرا على وجودنا كأمة وكدولة، كما يشكل خطرا على تماسكنا ووحدة أراضينا، فهو بمثابة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت من الأوقات، ولذا على البرلمان الاتحادي بمجلسيه التنبه إلى خطر المحاصصة العشائرية، وطرح البديل قبل فوات الأوان بدل الجدل العقيم في ملائمة الفيدرالية للبلاد من عدمها، فسواء تم اعتماد الفيدرالية أو تم التخلي عنها فهذا لن يغير من مشاكل البلاد، وبالتالي المشكلة في الفيدرالية القائمة على أسس قبلية، والتي تشكل عقبة على طريق بناء الدولة، وليست في النظام ذاته، وما لم يتم استبداله بنظام أكثر تطورا وأمانا وعدالة فلن ينهض الصومال.
جذر المشكلة
إن من المعضلات السياسية التي تثير جدلا واسعا لم ينته صداه إلى الآن مسألة فدرلة البلاد حسب ما ينص عليه الدستور المؤقت، والحقيقة أن تطبيق النظام الفيدرالي من عدمه ليس لب الموضوع؛ فالمسألة تتعلق برغبة الأطراف الفاعلة في المسرح السياسي الصومالي بالوصول إلى حلول وتسويات تتطلب تقديم التنازلات لصالح الوطن؟ ودليل ذلك أن الأزمة في البلاد تقارب إتمام العقد الرابع، ومسألة الفيدرالية بدأت في عام 2004 فلماذا لم يتوصلوا إلى حلول ناجعة إذا كانت الفيدرالية هي التي تفرق بين أبناء الوطن الواحد؟ وإذا كانت الفيدرالية الحل الناجح للأزمة الصومالية فلماذا لم تشهد البلاد رخاء وسلاما ونهضة؟ إذا، فالفيدرالية ليست جذر المشكلة وإنما هي أداة من بين عدة أدوات وخيار من الخيارات القائمة يمكن استخدامها لبناء موسسات الدولة الصومالية، ويمكن التخلي عنها، والأيام ستكشف أن هذه الأداة صالحة للاستخدام أم لا.
وخلاصة القول إن الفيدرالية واقع حاصل، ويمكن تبديله إن ثبت عدم جدواه، ولهذا ينبغي أن لا نضيع الوقت في التراشق بمسألة ليست من أساس مشاكلنا، وعلى الفاعلين السياسيين أن يتركوا خلافاتهم جانبا وأن يستثمروا المناخ الدولي المواتي لإنهاء معاناة الشعب الصومالي.
المراجع
[1] – الجزيرة نت. [متصل] 2015. [تاريخ الاقتباس: 24 سبتمبر, 2018.] http://www.aljazeera.net/encyclopedia/conceptsandterminology/2015/11/30/النظام-الفيدرالي.
[2] – جبار قادر. لفيدرالية: تجسيد لتعايش مفهومي الوحدة و التنوع على سطح واحد . الحوار المتمدن. [متصل] 10 أغسطس, 2008. [تاريخ الاقتباس: 28 سبتمبر,2018.] http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=42792.
[3] – أنواع الفيدراليات وتطبيقاتها. المرجع اللأكتروني للمعلوماتية. [متصل] 18 أكتوبر, 2018. [تاريخ الاقتباس: 25 سبتمبر, 2018.] http://almerja.com/reading.php?idm=89143.
[4] – عبد الواحد عبد الله شافعي. رأي اليوم. [متصل] 20 سبتمبر, 2018. [تاريخ الاقتباس: 23 سبتمبر, 2018.] https://www.raialyoum.com/index.php/عبدالواحد-عبدالله-شافعي-اثيوبيا-في-مخ/.
[5] أيمن حسين. دول الجوار الصومالي .. مآرب وعقارب. الأزمة الصومالية ودول الجوار. [متصل] 07 نوفمبر, 2008. [تاريخ الاقتباس: 28 سبتمبر, 2018.] http://main.islammessage.com/newspage.aspx?id=1734.