الاقتصادمقالات الرأي

شباب مقديشو وشبح البطالة

لعلكم تابعتم معي الصورة الأكثر تداولا في الأيام الأخيرة في منصات التواصل الاجتماعي الصومالية، والتي وضع فيها أحد الشباب صورته في لافتة كبيرة بأحد الشوارع الرئيسية للعاصمة، وكتب عليها اسمه الكامل وأنه تخرج في عام 2016 ، ولحد الآن لم يحصل على وظيفة، مع مرور ثلاثة أعوام من تخرجه ، ولهذا وضع هذه اللافتة مذيلا أسفلها “من فضلك وظِّفني” لعل وعسى يجد من المجتمع من يؤمِّن له وظيفة يكتسب بها عيشه.

معاناة هذا الشاب الذي لم يجد بدا من أن يضع لافتة كبيرة في الشارع يطلب فيها وظيفة ليست وحده وإنما يتشارك معه في نفس المعاناة الآلاف من الطلبة الذين تخرجوا في الجامعات الوطنية والخارج ولم يجدوا فرصة الالتحاق بالوظائف مع سعيهم الدؤوب بكل الطرق الممكنة من أجل الحصول على وظيفة، وهو ما يستدعي دق ناقوس الخطر كون عدد الطلبة الخريجين الذين لا يجدون وظائف في تزايد مستمر.

ليست هناك إحصائية رسمية تحدد مستويات نسبة البطالة في الصومال، وتشير التقديرات أن حجم البطالة في الصومال يصل إلى 75% من إجمالي السكان، في حين تبلغ نسبة الفقر 80%، ويبلغ معدل متوسط دخل الفرد نحو دولارين يوميا، ولعل ما يؤكد صحة ارتفاع العدد هو لو أنك تابعت بعض المواقع التي يتم فيها إعلان فرص العمل والعدد الكثير من الشباب الين يتابعونها ويرسلون لها طلبات التوظيف.

وقد أخبرني شخصيا أحد مسؤولي البنوك التجارية في العاصمة مقديشو تقدم أكثر من خمسة آلاف شخص لعشرة وظائف شاغرة فقط قام بإعلانها البنك في أحد مواقع الانترنت، ولك أن تتخيل معاناة مسؤولي الحكومة والضغط الذي يأتي عليهم من قبل أقاربهم من أجل تأمين فرصة عمل لأبنائهم.

وليس هذا الأمر بالغريب كون الشباب يمثلون أكثر من 70% من المجتمع الصومالي، ومع وجود عدد كبير من شريحة الشباب لم تتلق التعليم الذي يؤهلها للالتحاق بالوظائف، ولكن الأمر لا يقتصر عليهم فقط؛ فهناك الكثير من أقرانهم الحاصلين على الشهادات الجامعية ولكنهم يتسكعون في الشوارع ويجلسون في المقاهي بلا عمل .

لعل ما يساهم في تفاقم المشكلة هو ازدياد عدد الجامعات في العاصمة مقديشو بصورة غير مسبوقة، وهي جامعات معظمها لا تستوفي أدنى المعايير الضرورية لتأسيس الجامعات، ولا تراعي التخصصات التي يتطلبها سوق العمل، وتقوم بتسجيل طلبة لا يحملون شهادات ثانوية أو على الأقل ما يعادلها من التعليم، وبالتالي يساهم هذا الأمر في تخريج طلبة لم يتلقوا التعليم الكافي الذي يؤهلهم للقيام ببعض الوظائف الأمر الذي يؤثر بدوره سلبا على الإنتاج الوظيفي بصفة عامة. ويمكن القول إن افتتاح هذه الجامعات أصبحت قضية استثمارية بحتة لا يهمها الارتقاء بمستوى التعليم الوطني، وإنما يهمهما فقط الربح دون النظر لاحتياجات سوق العمل والتخصصات التي تمس الحاجة إليها.

كما أن الحكومات المتعاقبة لم تبذل الجهد الكافي من أجل إيجاد الحلول الناجعة لهذه الأزمة، فآخر فرص التوظيف داخل المؤسسات الحكومية كانت في عام 20

14 أيام إدارة الرئيس السابق حسن شيخ محمود، ولم تنجح الحكومة الحالية مع قرب استكمالها للعام الثاني في توفير وظائف جديدة للشباب العاطلين عن العمل، علما بأن معظم الوزارات يعمل فيها الكثير من الشباب بصفة طوعية ولا يتلقون أي راتب، ولا زالت وعود الساسة بتوفير فرص العمل للشباب تتوالى ولكنها أصبحت مواعيد عرقوب على ما يبدو.

من بين الأسباب التي تساهم في تزايد مشكلة البطالة بين الشباب، هي كون بعض من الطلبة الخريجين من الجامعات يحلمون بالحصول على وظائف مرموقة تؤمن لهم دخلا مرتفعا، وهذه ظاهرة منتشرة بين الشباب الخريجين بكثرة، وبما أن طبيعة سوق العمل لا تسمح بأن يحصل الكل على هذه الوظائف المرموقة يفضل كثيرون الجلوس في البيت لسنوات بلا عمل، وانتظار هذه الفرض الجيدة، وهذا ليس أمرا محمودا، كما أن غياب عنصر الإبداع في سوق العمل، وابتكار وظائف جديدة يساهم في تفاقم مشكلة البطالة؛ حيث لا يجد معظم الطلبة الذين تخرجوا من الجامعات جمعيات ومنظمات توعوية تقوم بإرشادهم للوظائف التي يبدعون فيها، غير أن هناك كثيرين لا يأبهون بمركزهم الاجتماعي؛ فقد انتشرت قبل شهور قصة البنت الخريجة من إحدى الجامعات التي لم تحصل على وظيفة فابتكرت بيع نوع من اللحم يعرف محليا بـ “الأودْكَعْ” وكانت المفاجأة أن العمل أدر عليها سيولة لم تتوقعها.

وفي الأخير لا بد من تكاتف جهود المجتمع من أجل الحد من ظاهرة البطالة باعتبارها تؤثر بصفة سلبية على المجتمع ككل؛ لأن وجود هذا العدد الهائل من الشباب بدون فرصة عمل قد يساهم في ارتفاع مستويات الجرائم وإدمان المخدرات وانتشار الأمراض النفسية والعقلية في صفوف الفئات الشبابية، وقد يكونون فريسة سهلة لأجندات خارجية.

حسن عبد الصمد

كاتب وباحث صومالي، حاصل على درجة الماجستير في الشريعة والقانون، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى