
مقدمة
يصادف اليوم مضي عام من العمل الدؤوب والحراك الدبلوماسي الحثيث منذ تقلد السيد أحمد معلم فقي منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في 7 أبريل 2024 إثر تعديل وزاري محدود نقله من وزير الداخلية والشؤون الفيدرالية والمصالحة والذي أبدع فيها ليتسلم ملف السياسة الخارجية بعد أن ظل المنصب شاغرا لمدة 4 أشهر إثر استقالة سلفه في أواخر ديسمبر من العام 2023؛ تولي السيد فقي العديد من المناصب السياسية في الإدارات المتعاقبة منذ العام 2000م من سفير ووزير ونائب في البرلمان ورئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطنية ومع التحديات الجمة والمهمات الجسام الملقاة على عاتقه ولكنه بحنكته وخبرته ورباطة جأشه استطاع العبور بالدبلوماسية الصومالية إلي بر الأمان.
إنجازات مهمة
رغم المعضلات الكثيرة التي تواجه السياسة الخارجية الصومالية والتي تتمثل في تغيير الصورة الذهنية السلبية التي انطبعت عليها طوال العقود الأربعة الأخيرة إلا أن الصومال نجح ولو نسبيا في استعادة جزء من مكانته الإقليمية والدولية وحضوره في الساحة العالمية لحماية المصالح الوطنية والأمن القومي؛ وبما أن وزارة الخارجية مناطة بتنفيذ السياسة الخارجية المرسومة من قبل رئيس الجمهورية الدكتور حسن شيخ محمود ورئيس الحكومة حمزة عبدي بري لإدارة العلاقات الدولية وحماية المصالح الوطنية في المحافل الدولية فإن فريق الخارجية في غضون عام واحد بإحراز إنجازات ملحوظة بقيادة مهندس الدبلوماسية أحمد معلم فقي أبرزها:
- نزع فتيل أزمة دبلوماسية مع إثيوبيا
نجح الصومال في الحفاظ علي سيادته بالطرق الدبلوماسية بعد توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم باطله مع إدارة أرض الصومال في بداية 2024 تستحوذ بموجبها على شريط ساحلي لمدة 50 عاما وقد رفضت الحكومة الفيدرالية الصومالية هذه الخطوة باعتبارها انتهاكا صارخا لسيادتها واستطاع الوزير باقتدار تجاوز المطبات الصعبة وإدارة المفاوضات مع إثيوبيا بحكمة وحزم وإرادة لا تلين وبعد جولات من التفاوض غير المباشر بمساع حميدة من كينيا وتركيا توصلت الأطراف إلي اعلان أنقرة الذي جنب منطقة القرن الأفريقي والتي تعد إحدى بؤر الأزمات في العالم الانزلاق نحو مزيد من النزاعات؛ وقد أعاد التأكيد على احترام سيادة الصومال على كامل ترابه وأقر بأن الحكومة الفيدرالية هي الجهة الوحيدة التي لها الحق في ابرام اتفاقيات مع الدول والهيئات والجهات الخارجية وبما يتوافق مع القوانيين والأعراف الدولية.
- تعزيز مكانة الصومال دوليًا
عضوية مجلس الأمن للمرة الثانية منذ أكثر من نصف قرن
أودعت الإدارة السابقة برئاسة الرئيس محمد عبد الله فرماجو طلب انضمام الصومال لعضوية مجلس الأمن الدولي حيث كان الدور علي دول مجموعة شرق أفريقيا لشغل أحد المقعدين المخصصين لأفريقيا وقد قام وزير الخارجية أحمد معلم فقي بجهود حثيثة لحشد الدعم والتأييد من الدول الأفريقية واقناعها بأحقية الصومال للمنصب الذي غاب عنها لأكثر من نصف قرن حيث كانت آخر عضوية غير الدائمة للصومال في مجلس الأمن في عامي 1971-1972 ؛ وقد توجت هذه الجهود بنجاح يذكر فيشكر .
المساهمة في فوز مرشح جيبوتي برئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي
ساهمت الصومال في فوز مرشح جمهورية جيبوتي وزير الخارجية السابق السيد محمود علي يوسف برئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي وأول عربي يفوز بهذا المنصب الرفيع وذلك بعد سحب مرشحها وزيرة الخارجية السابقة السيدة فوزية يوسف والتي كانت تعد المرشحة الأنثى الوحيدة ما كان يعطيها ميزة نسبية وتفوقا بسيطا على باقي المرشحين الذكور بالإضافة إلي أن هذه الخطوة منعت تشتت الأصوات الأفريقية العربية مما أعطى زخما لمرشح جيبوتي الأمر الذي لم يتوفر لمنافسة رئيس الوزراء الكيني السابق رايلا آودينغا.
الانخراط بشكل فعال في المنظمات الدولية والإقليمية
نجح الصومال في الانخراط الإيجابي في المنظمات الدولية والإقليمية بطرح مبادرات من شأنها تعزيز الأمن والسلم الدولي بشكل أكثر حيوية ومرونة من السابق والتنسيق المستمر مع الدول الشقيقة والصديقة الحليفة للصومال لتحقيق الأهداف الوطنية والإقليمية والدولية وسط عالم يشهد تحولات سريعة تهدد الأمن الوطني والعالمي .
- دور بطولي في الحرب على الإرهاب
تساهم وزارة الخارجية في الحرب ضد الإرهاب بشكل محوري ويلعب شخصيا وزير الخارجية أحمد معلم فقي دورا بطوليا في الحملة الحكومية والانتفاضة الشعبية ضد التنظيمات الإرهابية وذلك بسبب خلفيته الأمنية وحسه الوطني ؛ كما لعب دورا قياديا في جهود انهاء بعثة قوات الاتحاد الأفريقي الانتقالية (ATMIS) واستبدالها بالبعثة الجديدة لدعم واستقرار الصومال (AUSSOM) لمساندة الجيش الصومالي والتي تقتصر مهمتها حصرا لمدة عامين فقط غير قابلة للتمديد وذلك تمهيدا لتولي الجيش الصومالي المهام الأمنية بالكامل دون الحاجة إلى الاستعانة بقوات الدول الشقيقة والصديقة.
- تفعيل دور المعهد الدبلوماسي
منذ تقلده منصبه وجه الوزير تعليماته وتوجيهاته بنفض الغبار عن الدور المهم الذي يضطلع عليه المعهد الدبلوماسي وتكثيف الدورات الدبلوماسية للكادر الدبلوماسي والإداري في الوزارة لإكسابهم المهارات المطلوبة والمعارف اللازمة وقد نظم المعهد عشرات الدورات في تنمية مهارات التفاوض وتسوية النزاعات ، وإدارة الحوار وأساليب الوساطة بين الأطراف لتجنب الأزمات والحروب وغيرها من الدورات والتي لا غنى عنها للدبلوماسي الناجح الذي يسعى دوما لرعاية مصالح دولته دون الإضرار بمصالح الآخرين.
- الإصلاح الإداري
قاد الوزير أحمد بقيادة إصلاحات إدارية غير مسبوقة في مقر الوزارة بدءا بمكافحة الترهل الإداري واحترام مواعيد العمل التي تضاعفت ووصلت إلي الساعة 8 مساءا حيث جعل الوزارة خلية نحل تنبض بالنشاط والحيوية بعد سنوات من التسيب والاهمال والغياب غير المبرر عن العمل مما أضعف الإنتاجية والكفاءة ؛ ولكن الوزير فقي ضرب نموذجا يحتذى به فهو أول وزير يصل إلي مقر الوزارة قبل الساعة 8 صباحا وآخر من يغادر المكتب وغالبا قبل منصف الليل وهذا ما شجع الدبلوماسيين في الانتظام بالحضور وتحسين بيئة العمل.
اتبع الوزير مبدأ الثواب والعقاب بمنهجية واضحة بترقية الشباب استنادا إلي أدائهم وإنجازاتهم في مهامهم فمن ينجح في عمله يكافئ بالترقية ومن لا يقوم بعمله لا يحصل على فرصة الترشح وهذا خلق الرغبة في العمل والتنافسية الإيجابية؛ وحتى تؤتي الجهود ثمارها فطن الوزير إلي ضرورة المؤسسية ومراجعة قانون الخدمة الدبلوماسية ولوائحه التنفيذية والتي شارفت على الانتهاء بما في ذلك تطوير الهيكل التنظيمي للوزارة بما يستجيب للواقع السياسي والاقتصادي والظروف الاجتماعية والثقافية في البلاد.
التحديات
إن السياسة الخارجية الصومالية بحاجة ماسة إلى الاستقرار العمودي وتلافي تغير الوزراء كل عام أو عامين مما يشل خطط العمل ويجعل من الصعب الوصول إلي الاصلاح المنشود والاستقرار الأفقي في الحفاظ على الموارد البشرية المدربة وذوي الخبرة من الكوادر الدبلوماسية والإدارية مما يؤدي إلي الديمومة في متابعة الأهداف المرسومة وتنفيذ الخطط القائمة ويكسب الكادر الدبلوماسي والإداري القدرة على التنبؤ واستشراف المستقبل واقتراح القرارات التي يجب على الدولة اتخاذها تجاه القضايا الدولية والإقليمية، سواء على وجه السرعة أو في القريب العاجل ولا يمكن لهذا الأمر أن يتحقق إلا في ظل منظومة متكاملة تشكل وزارة الخارجية أحد ركائزها المهمة؛ لأن السياسة الخارجية ليست إلا انعكاسا للسياسة الداخلية ولهذا فإن تفعيل دور وزارة الخارجية الصومالية لا يمكن أن نصل إليه بمعزل عن إحداث إصلاحات جذرية في السياسة المحلية فكما يقال أن الحديث عن السياسة إنما هو بالضرورة حديث عن السياسة المحلية.