الأخبارالتقرير الشهريتحليلات

قراءة في إشكالية القوات الممولة أجنبيا في الصومال (PSF ﻧﻤﻮذجا)

 تمهيد :

للاطلاع على الملف بصيغة بي دي إف انقر”هنا”

إن المواجهات المسلحة التي شهدتها مدينة بوصاصو الساحلية في شمال شرق البلاد بولاية بونتلاند أثارت قلقا متزايدا وتساؤلات مصيرية عن دور القوات المدعومة خارجيا في الاستقرار الأمني والسياسي في السياق الصومالي الذي يصارع لبناء المنظومة الأمنية من جديد، وأن هذه القوات تشكل مخاطر وتحديات جمة على السيادة والأمن الوطني نظرا لتعدد ولاءاتها وانتشارها في طول وعرض البلاد؛ مما يعمِّق المخاوف والهواجس أكثر مما يبعث على الإطمئنان، وتزداد هذه المخاطر في ظل وجود قوات حفظ السلام الأفريقية في جنوب ووسط البلاد لأكثر من عقد من الزمان، وعدم اكتمال مسيرة بناء مؤسسات الدولة، ومنها المؤسسة العسكرية،وغياب استراتيجية وطنية لخروج قوات حفظ السلام الأفريقية ” أميصوم ” وتولي القوات المسلحة الصومالية مسؤولية الأمن في البلاد.

في خضم هذه الأجواء فإن تعدد الجهات الداعمة والممولة للقوات الصومالية تبعث على القلق المتزايد من ولاء هذه القوات للوطن والمواطن من جهة، وانخراطها في أنشطة تهدد الأمن الوطني من جهة أخرى، إضافة إلى خطر اندلاع موجهات مسلحة بين هذه القوات انطلاقا من حماية مصالح الجهات الممولة لها، وعليه فإن هذا التقرير سيسلط الضوء على إشكالية هذه القوات وكياناتها ومدى إمكانية انضوائها “عمليا” تحت مظلة المنظومة الأمنية الوطنية ضمن مؤسسة القوات المسلحة الصومالية المسؤولة عن حماية السيادة والاستقلال والوحدة وأمن ومقدرات الوطن والمواطنين، وذلك على ضوء المواجهات المسلحة التي اندلعت مؤخرا في مدينة بوصاصو الساحلية بين قوات أمن بونتلاند المدرَّبة أمريكيا “PSF” والقوات النظامية لولاية بونتلاند.

الكيانات العسكرية المدعومة من الخارج 

تتعدد الكيانات العسكرية والأمنية في البلاد بحسب الجهات الداعمة لها، وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وتركيا والإمارات العربية المتحدة، وتتفاوت أهدافها تارة لمكافحة الإرهاب وأخرى بدعوى مكافحة القرصنة، مع شكوك حول النوايا الحقيقية لوجودها ومهام سرية قذرة مثل ردم النفايات وتنقيب المعادن وأجندات أخرى خفية(1).

قوات دَنَبْ (أمريكا)

استثمرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في الصومال على مدى العقود الماضية وخاصة لبناء وتدريب قوات دنب التي تعني باللغة الصومالية “الصاعقة” ويبلغ قوامها 1150 فردا، وتعد هذه الوحدة القتالية الوحيدة الفعّالة غير السياسية (2) في حرب البلاد ضد حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة .

وتعتبر قوات “دنب” الوحدة العسكرية الأكثر نجاحًا في قتال الشباب بسبب ما لديها من تدريب ومعدات متفوقة جدًا على الخصم، ولكن عدد مقاتلي حركة الشباب يفوقها كثيرا؛ حيث يعتقد الخبراء أن لدي الحركة ما يصل إلى 10000 مقاتل نشط، وشبكة أوسع من المخبرين والمؤيدين والمتعاطفين. (3)

قوات غاشان/وَرَنْ (أمريكا)

ومعناها الدرع والرمح، وهي قوات مموَّلة ومدرَّبة من الولايات المتحدة الأمريكية خصيصا لمكافحة الإرهاب والتعامل مع الإرهابيين ومداهمتهم داخل المناطق المأهولة بالسكان؛ فالأولى مهمتها اقتحام الأماكن التي يستهدفها الإرهابيون وتحرير الرهائن بينما تقوم الأخرى بحراسة المنشآت الحيوية.(4)

قوات أمن بونتلاند PSF (أمريكا)

أنشِئت قوات أمن بونتلاند (PSF)لمحاربة الإرهابيين بدعم وتمويل أمريكي خارج نطاق دستوري ومن دون عمل التنسيق اللازم بينها وبين أجهزة الدولة الأخرى، في عام 2002 وسط مخاوف من ازدياد عناصر القاعدة التي كانت تعمل في شرق إفريقيا ، تم تأسيس PIS حاليا (PSF & PIA)، في عام 2003 تم تعيين محمد آدم بيدار كأول مدير لجهاز استخبارات بونتلاند الذى قدم استقالته فورا لينتقل بعدها إلى مقديشو؛ حيث أصبح قائد جهاز الأمن الوطني (NSS) في عام 2004 تم تعيين عثمان عبد الله محمود مديرًا لأمن استخبارات بونتلاند .

ففي خطوة مفاجئة عام 2009 ، قام حاكم الولاية آنذاك عبد الرحمن “فرولي” بتعيين العقيد علي “بيندي” مديرًا للاستخبارات دون استشارة المسؤولين الأمريكيين والذين كانو يتولون مهمة التمويل والإشراف على تلك القوات، مما دعاهم لرفض التعيين بسبب افتقار الأخير إلى الخبرة الأمنية، وبعد نقاش طويل توافق الأمريكيون مع السيد فرولي على تقسيم PIS إلى قسمين – PSF كقوات خاصة لمكافحة الإرهاب وجهاز استخبارات بونتلاند(PIA) كوكالة وطنية تابعة لحكومة بونتلاند ، وأسندت قيادة الاستخبارات لمحمد جامع (MJ) ، و PSFتحت قيادة المدير العام السيد عثمان عبد الله محمود.

بعد وفاة المدير العام عثمان عبد الله محمود، تم تعيين نجله أسد عثمان عبد الله مديراً جديداً لـ PSFفي عام2010 من قبل حاكم الولاية في وقتها عبد الرحمن فرولي قبل أن يستقيل في ديسمبر 2018 ، ليترشح لحكم الولاية والتي خسرها بفارق ضئيل ضد الحاكم الحالي سعيد عبد الله دني، وبعد التشاور والتنسيق مع المسؤولين الأمريكيين حل محله أخوه الشقيق السيد محمود عثمان عبد الله كمدير عام تم تعيينه من قبل حاكم الولاية حينها عبد الولي غاس، ويقدر عدد قوات PSF بما يقارب من 800 عنصر مسلح ومدرّب.(5)

قوات غوغور/هَرَمْعَدْ (تركيا)

قوات غورغور وهرمعد( وتعني بالعربية: قوات النسر والفهد) جزء من القوات الصومالية التي تلقت تدريبات عالية المستوى في القاعدة التركية في مقديشو (تركصوم)، ويتمركزون في مقديشو، وطوسمريب، وبلد حواء، وقاعدتهم الرئيسية في مقديشو بقاعدة “تركصوم “

 هَرَمْعَدْ

 قوات شرطة تتراوح أعدادها ما بين 900 إلى 1000 جندي، يتم تدريبهم في قاعدة تركصوم بمقديشو، ومن ثم يتم نقلهم إلى تركيا لتلقي المزيد من التدريبات، يتلقون الأسلحة والذخائر مباشرة من تركيا.

غورغور 

 وهي قوات عسكرية خاصة تلقت تدريبات نوعية في القاعدة التركية بمقديشو (تركصوم)، يتراوح عددهم ما بين 4500 إلى 5000 عسكري، يتلقون الأسلحة والذخائر من تركيا.(6)

قوات شرطة خفر سواحل بونتلاند (الإمارات)

تم تنفيذ البرنامج التدريبي لقوات الشرطة البحرية في بونتلاند الممول من الإمارات العربية المتحدة في البداية من قبل شركة ساراسين إنترناشيونال/ ستيرلنجكور بوريتسير فيسز في البداية لمكافحة القرصنة التي كانت نشطة في السواحل الصومالية في عام 2012، قبل أن تتطور لقوات حماية شواطئ بونتلاند والقيام بمهمات لحراسة الأمن العام في المواقع الاستراتيجية البحرية، ولا زالت تتلقي التمويل والدعم اللوجستي من الإمارات.(7)

المنظومة الأمنية في البلاد 

ينص الدستور الفيدرالي المؤقت في مادته 54 على ” يتم التفاوض بين الحكومة الفيدرالية والولايات الأعضاء في الدولة الفيدرالية بشأن تقاسم السلطات السياسية والاقتصادية باستثناء ما يلي : (أ) الشؤون الخارجية (ب) الدفاع الوطني (ج) الجنسية والهجرة (د) السياسة النقدية، والتي يجب أن تكون ضمن سلطات ومسؤوليات الحكومة الفيدرالية” ولهذا فإن الجيش من مهام الحكومة الفيدرالية، ولكن الإشكالية التي تواجه البلاد هي افتقاره لمنظومة أمنية موحدة في البلاد ومرهونة لإرادة سياسية تدفع باتجاه إصلاح المؤسسة العسكرية. وانطلاقا من هذه الحقيقة فإن البلاد تعج بقوات مختلفة التوجهات والتدريب والعتاد تبعا للجهات الداعمة، وهو ما يدق ناقوس الخطر على أمن وسيادة البلاد.

حسب مخرجات مؤتمر لندن في مايو 2017 نصت الوثيقة التي صدرت لإصلاح منظومة الأمن الوطني مع الشركاء الدوليين على توحيد مختلف الأجهزة الأمنية وتأمين الدعم اللازم من المجتمع الدولي ككتلة واحدة بدلا من تشابك المصالح بين الدول وتأثيرها السلبي على بلد يمر بمرحلة ما بعد النزاعات، ولكن للأسف لم يتم التحرك باتجاه تنفيذ وثيقة لندن وخاصة في توحيد هيكل منظومة بناء القوات المسلحة الصومالية، والتي تشمل :

  • التوافق السياسي.
  • تحقيق منظومة الأمن الشامل.
  • الدعم الدولي.
  • خروج قوات حفظ السلام الأفريقية.
  • تولي القوات الصومالية مسؤولية الأمن.

المخاطر والتحديات

إن القوات المدعومة من الجهات الخارجية تشكل خطرا داهما وتحديا كبيرا على الأمن الوطني والسيادة من حيث الجوانب التالية :

  1. العقيدة القتالية

تفتقر هذه القوات لعقيدة قتالية وطنية تنبع من بيئة وثقافة المجتمع؛ وذلك لأن الجهات الأجنبية لا يمكنها غرس روح حب الوطن لأن فاقد الشيء لا يعطي كما يقول المثل، وبالتالي فإن هذه القوات أشبه بآلات مبرمجة لتنفيذ ما يعهد إليها من مهام دون مراعاة لمشاعر الناس/ مواطنيهم وثقافتهم؛ وذلك لعدم تربية هذه القوات بهذه القيم التي يؤمن بها الشعب الصومالي .

  1. المحاسبة والمساءلة

يجب أن تكون القوات المسلحة ذات انضباط ومهنية وحرفية عالية وتسود فيها روح حكم القانون والنظام وتدريب القوات على حماية حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وغالبا ما ترتكب هذه القوات انتهاكات جسيمة ضد المدنيين وتفلت من العقاب لغياب آلية مساءلة ومحاسبة فعالة يمكن أن تردع ارتكاب مثل هذه الجرائم ضد المدنيين الأبرياء.

  1. نزعات التمرد

تشكل هذه القوات نواة لمليشيات موازية وبمثابة دولة داخل الدولة وجبهات يصعب السيطرة عليها مستقبلا وتقوض الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية بين مكونات الشعب الصومالي. فالشركات الأمنية والقوات الحاصة التابعة للجهات الخارجية حالة تعكس على استمرار حالة فشل الدولة؛ حيث تصبح الدولة الصومالية فضاءً مفتوحا ومتاحا لجميع الجماعات السياسية والإجرامية لتنفيذ مخططاتهم وأجندتهم بعيدا عن الرقابة والمحاسبة من قبل الأجهزة الرسمية ، ويفتح هذا الوضع الباب لاحتمال تطور تلك المؤسسات العسكرية إلى كيانات موازية للدولة بحكم أنها تجمع قوة المال، وحرية الحركة، وأخذ المبادرة.

المواجهات في بوصاصو بين قوات PSF وقوات بونتلاند 

حاول كل الحكام المتعاقبين في ولاية بونتلاند تسوية وضع هذه القوات ضمن القوات النظامية التي تندرج تحت قوات بونتلاند الرسمية ولكن لم تنجح هذه المحاولات سابقا، وبدوره حاول الحاكم الحالي للولاية السيد سعيد عبد الله دني معالجة هذه الإشكالية ضمن برنامج حكومته من خلال تعيين قادة جدد لمختلف القوات التابعة للنظام ولم يتبق إلا قوات PSF، وعندما أصدر مرسوما بتعيين قائد جديد لقوات PSF بتاريخ 24 نوفمبر 2021 رفض القائد المعفى تسليم المهام للقائد الجديد حتى يتم التفاهم على بعض الأمور المالية والأسلحة والمعدات التي يدعي أنها تعود لملكيته الخاصة في محاولة لخصخصة الأمن، ومما زاد الطين بلة مساندة بعض شيوخ العشائر لموقفه، وهم خمسة من أبرز شيوخ عشائر محافظة “بري” وأوصوا بأن ملكية المعدات والأسلحة تعود للقائد المقال.

 يحاجج القائد المقال لقوات PSF بأن المعدات والأسلحة تعود لملكيته الشخصية على اعتبار أنهم شركة أمنية خاصة لا تخضع للحكومة بشكل مباشر، وأن الولايات المتحدة الأمريكية قد أوقفت دعمها لهذه القوات لما يقارب عامين، ولكي يسلمها لابد من تعويضه، وهو ما أثار حفيظة حاكم الولاية وجعله يرفض هذا الطرح جملة وتفصيلا، وأصرت حكومة الولاية على تسليم كامل المعدات والأسلحة دون تعويض كونها ملك عام يعود للشعب كله، وهو ما فجر الأوضاع. وفي النهاية تطورت الأمور إلى مواجهات دامية بين القوات الموالية للقائد المقال وقوات بونتلاند مما تسبب بخسائر في الأرواح والممتلكات إضافة إلى نزوح الشعب من مدينة بوصاصو الساحلية.

وساطة ومأزق

ألقى حاكم الولاية سعيد عبد الله دني خطابا في يوم 24 ديسمبر 2021 أمر بموجبه بتعليق العمليات العسكرية ضد القوات المتمردة حقنا للدماء، ودعا شيوخ العشائر والسياسيين لحل المسألة وديا، وهو ما حظي بترحيب كبير من الأوساط الشعبية و النخب السياسية، وبدأت الأوضاع تعود إلى طبيعتها، ولكن السؤال المطروح هو: من المسؤول عما حدث في مدينة بوصاصو المركز التجاري لولاية بونتلاند من دمار وخراب؟ ويبدو أن كافة الأطراف تتحاشى الإجابة على هذا السؤال الملح !.

بعد فوات الأوان وخروج الموقف من سيطرة كافة الأطراف لم تنجح الوساطات في التوصل إلى حل ناجع للمشكلة خلافا للتوقعات التي سادت بأن تصدر جهات الوساطة قرارا ينهي الخلاف ويحفظ ماء الوجه للحكومة، ولا يدين القائد المقال كما جرت العادة في حل الخلافات السابقة .

وبهذا الصدد أصدر بعض زعماء العشائر – خمسة من زعماء عشائر بري – بيانا منفردا دون بقية الوسطاء من زعماء العشائر والسياسيين دعوا فيه إلى إلغاء مرسوم حاكم الولاية وإجراء مصالحة بين الحاكم والقائد المقال، إضافة إلى بنود أخرى لا تمت بصلة إلى الخلاف ولكنها مطالب اجتماعية واقتصادية لأهالي مدينة بوصوصو(8) .

أبعاد مشكلة قوات PSF

تتعد أبعاد هذه المشكلة وتتداخل كإشكالية سياسية وأمنية واقتصادية، ولا يمكن فصل أي عامل فيها عن الآخر؛ فكل هذه العوامل متشابكة ساهمت في اندلاع هذه المواجهات التي تطورت إلى اشتباكات مسلحة، ولم يتم حل الأسباب الحقيقية التي تقف خلفها؛ ونحاول هنا مناقشة هذه الأبعاد:

أبعاد سياسية: وتتعلق بالانتخابات البرلمانية؛ حيث تعتبر المدينة دائرة انتخابية لـ 16 مقعدا من مقاعد مجلس الشعب في البرلمان الفيدرالي، يتصارع عليها حاكم الولاية المرشح الرئاسي المحتمل ومنافسوه من أبناء عشيرة قائد PSF المقال وأخيه الجنرال أسد عثمان عبد الله، الخصم الذي خاض سباقا شرسا مع الحاكم الحالي للولاية؛ علاوة على رئيس الحكومة الفيدرالية الأسبق والسياسي المخضرم السيد عمر عبد الرشيد شرمأركي. ويعتقد المراقبون أن السبب الرئيسي لمشكلة بوصاصو تختصرها هذه المقاعد البرلمانية، ويتوقع بشكل كبير أن تهدأ الأوضاع وتعود المياه إلى مجاريها الطبيعية بعد انتهاء الاستحقاق الانتخابي في البلاد.

أبعاد هيكلية : إن عدم وضوح وضع هذه القوات ضمن القوات النظامية في الولاية، ووقف الدعم الأمريكي لهذه القوات وعدم تقاضيها مرتباتها لأكثر من 13 شهرا ساهم بشكل كبير في اندلاع المواجهات، وذلك لغموض مرجعية هذه القوات، وبما أن هذه القوات أنشئت من قبل الولايات المتحدة كان لا بد أن تشارك في الحل ولكنها تجاهلت الأمر وتركت الصوماليين يحلون مشاكلهم بأنفسهم .

أبعاد اقتصادية: وتتعلق بمطالب محقة لأهالي بوصاصو؛ حيث يشعرون بالتهميش الاقتصادي كون ميناء المدينة المصدر الرئيسي لدخل الولاية، ويعتقدون أن دخل الميناء لا ينعكس على السكان على شكل خدمات وتنمية وإنما يذهب لمناطق أخرى، وهي مطالب قديمة متجدده لكون الإيرادات محدودة لا تكفي لتغطية الخدمات المتزايدة للمدينة والمناطق الأخرى في الولاية، إضافة إلى ذلك فإن الامتياز الممنوح لفرع شركة موانئ دبي المعروف ب (P&O) فاقم من الوضع الاقتصادي للمدينة، وأثار سخطا شعبيا واستياءً كبيرا بدلا من الآمال التي كانت معقودة لتطوير الميناء وتحسين الحياة المعيشية للمواطنين.

اجتماعية: بعد انهيار الحكومة المركزية في الصومال وغياب مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسة القضائية لعب شيوخ العشائر دور المرجعية للنظام السياسي الذي يفصل في كل صغيرة وكبيرة بين أجهزة الدولة من جهة وبينها وبين العشائر من جهة أخرى. ولتجاوز هذه المعضلة تم التوافق على الانتقال للنظام المدني تدريجيا، ولهذا أطلق الحاكم الحالي للولاية نظام الأحزاب المتعددة والانتخابات الشعبية المباشرة والتي تلغي تماما دور شيوخ العشائر في السياسة. ويعتقد المحللون في هذا السياق أن بعض شيوخ العشائر لا يرحبون بذلك، ويخشون من فقدان نفوذهم ومكاسبهم، ومن هنا نشأ جفاء بين الحاكم الحالي للولاية وبعض شيوخ العشائر، وبالتالي فأزمة بوصاصو تعد فرصة سانحة للانتقام من حاكم الولاية الحالي الذي همّش شيوخ العشائر.

التوصيات 

نظرا للواقع المرير الذي تمر به الصومال، وبناء على ما تم استعراضه من إشكاليات متعددة سبق أن طرحناها في هذا التقرير نؤكد أنه من الضروري القيام بالآتي كجزء من متطلبات المرحلة واتساقا مع التوجهات الاستراتيجية للبلاد.

  1. توحيد القوات المسلحة من كافة الولايات والمناطق في البلاد.
  2. تولي الحكومة الصومالية المسؤولية الكاملة لبناء وتدريب القوات المسلحة.
  3. الاعتماد على الموارد الذاتية في تمويل القوات المسلحة.
  4. إسناد مهمة تدريب وتسليح الجيش لدولة واحدة مأمونة الجانب ومتحالفة استراتيجيا مع الصومال.
  5. خضوع القوات لسلطة الحكومة وحدها دون الجهات الأجنبية والعشائر حتى تؤدي واجباتها على أكمل وجه.
  6. وضع حد لدور شيوخ العشائر وحصر دورهم في الشؤون الثقافية والاجتماعية.
  7. غرس عقيدة قتالية وطنية في القوات المسلحة تنبع من الثقافة والبيئة الصومالية.
  8. التزام المجتمع الدولي بتعهداته لدعم الصومال ككتلة واحدة، ومساعدة الحكومة الفيدرالية وفقا لأولوياتها.
  9. استكمال الهيئات الدستورية المختصة لحل الخلافات ضمن القانون والنظام، وفي مقدمتها المحكمة الدستورية والهيئات القضائية.
  10. رفع حظر استيراد الأسلحة المفروض على الصومال لدحر الإرهاب والجماعات المتمردة الخارجة على القانون.

الخاتمة 

إن جذور مشكلة القوات المدعومة من الخارج تكمن في هشاشة مؤسسات الدولة، وهو أمر طبيعي لدولة انهارت البنية التحتية فيها بسبب طول أمد الحرب الأهلية وبطء مسيرة بناء المنظومة الأمنية والتي تتحسن تدريجيا من عام 2000م مع عودة الصومال إلى الساحة الدولية بعد غياب عقد عن الساحات الدولية، وعليه فإن هذه المشاكل ستستمر في الأمد القريب حتى يتم بناء المنظومة الأمنية على أسس سليمة ونابعة من إرادة الصوماليين.

إن المشكلة تتكون من شقين متشابكين، وهو التزاوج الكاثوليكي بين السياسة والعشيرة؛ وأن مظاهر هذا التشابك تتجلى بشكل واضح في مشكلة قوات PSF؛ حيث تغول بعض شيوخ العشائر على السياسة، وأصبحوا جزءا من اللعبة السياسية دون سند قانوني، مما أفقدهم الهيبة والثقة التي كانوا يحظون بها، بينما بعض السياسيين فقدوا الحنكة والحكمة المعهودة لحل مثل هذه الخلافات؛ إذ أن السياسة هي فن الممكن وليست فقط امتلاك الشرعية الدستورية.

ولهذه الغاية؛ لا بد من إصلاح مختلف للأجهزة الأمنية، وأن تخضع كل مكوناتها لسلطة الحكومة وحدها دون الجهات الأجنبية وسلطة العشائر ما يكيِّف هيكلتها وفق الدستور الوطني ويجعلها تؤدي واجباتها المنوطة بها على أكمل وجه، وينبغي الاحتكام للهيئات القضائية المختصة ، وإيجاد آليات قانونية تحسم مثل هذه النزاعات في المستقبل من شأنها أن تمنع تجدد مثل هذه المواجهات. كما أن تحديد دور شيوخ العشائر في إدارة شؤون الدولة؛ ووضع حد للتعويل المبالغ فيه على حل الخلافات التي تنشأ أحيانا بين الدولة والعشائر سيمثل مفتاحا مهما للحلول الممكنة، ويعزز من أداء مؤسسات الدولة سواء كانت عسكرية أو مدنية .

المراجع 

  1. د. أحمد علو. مجلة الجيش. [متصل] 1 March, 2016. https://www.lebarmy.gov.lb/ar/content/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A9-%D8%A3%D8%B0%D8%B1%D8%B9-%D8%B7%D9%88%D.
  2. الشرق. [متصل] 30 December, 2020. https://asharq.com/ar/1oK3NQY6PUaS6rEvgR4aNg-الانسحاب-الأميركي-من-الصومال-يثير-مخاوف/.
  3. صوت أمريكا. US to Review Support for Elite Somali Military Unit. لقسم الصومالي. [متصل] 26 October, 2021. https://www.voanews.com/a/us-to-review-support-for-elite-somali-military-unit-/6286599.html.
  4. [متصل] Geeska Africa، 19 July, 2014. https://www.geeskaafrika.com/somalia-u-s-special-forces-helping-train-somali-army/.
  5. [متصل] https://en.m.wikipedia.org/wiki/Puntland_Security_Force.
  6. شبكة صقر الجديان. [متصل] 30January, 2021. https://saqraljidyanews.com/%D9%85%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%B4%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF-%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D8%A4%D9%84/?amp=1.
  7. PMPF website. [متصل] https://pmpf.wordpress.com.
  8. أحمد بلي. مركز الصومال للبحوث ودراسة السياسات. [متصل] 27 December, 2021. https://somaliacenter.com/2021/12/27/مناوشات-مدينة-بوصاصو-ما-الذي-جري؟/.

عبد الرحمن عيسى

دبلوماسي صومالي حاصل على بكالوريوس في العلاقات الدولية . كاتب وباحث في الشؤون الدولية والدبلوماسية، صدر له العديد من التقارير والدراسات في عدد من الدوريات المحكمة إضافة إلى عشرات المقالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى