لقاء جدة الثلاثي.. حراك القرن الأفريقي

حدث وتعليق (1)
في خطوة كانت متوقعة رعى ملك المملكة العربية السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز، اليوم الأحد 16 سبتمبر 2018 اتفاقية جدة للسلام بين إثيوبيا وإريتريا، وذلك بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وقد حضر مراسم التوقيع أيضا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وكان الملك سلمان قد قلد أثناء المناسبة كلا من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد قلادة الملك عبد العزيز، والتي هي أعلى وسام في المملكة.
ويذكر أنه قد جرى بأبوظبي لقاء ثلاثي مماثل لدعم اتفاقية السلام بين البلدين في 24 يوليو 2018 وتم فيه تقليد وسام زايد الذي يعتبر أعلى وسام لقيادة البلدين.
-
التعليق:
ترتبط منطقة القرن الأفريقي والجزيرة العربية بعلاقات تاريخية وروابط وجدانية ووشائج اجتماعية ومصالح ثابتة؛ وقد تجلت هذه العلاقة منذ القدم؛ فمع بزوغ فجر الإسلام أوصى خير الأنام صلى الله عليه وسلم الصحابة بالهجرة إلى الحبشة ” القرن الإفريقي حاليا ” لأن فيها ملكا لا يُظلم عنده أحد، فلا غرو أن يستمر هذا الترابط التاريخي؛ وذلك للمصير المشترك للمنطقتين.
ظل المراقبون يتساءلون عن سر ذوبان الخلاف الحدودي المرير بين الجارتين إثيوبيا وإريتريا، وتسارع الأحداث بعد ذلك لتشمل مصالحة صومالية إرترية تلتها مساعي لحل النزاع الجيبوتي – الإرتري والسوداني- الإريتري.
ويأتي اجتماع جدة الثلاثي كتتويج لجهود دبلوماسية صامتة ودون ضجيج ظلت تعمل طوال هذه السنين حتى أتت الوساطة أكُلها فاستحقت عروس البحر جده أن تحظى بتوقيع السلام فيها، على أمل تحقيق مصالحة بين جيبوتي وإريتريا من جانب، والسودان وإريتريا من جانب آخر، والسعودية بثقلها الدبلوماسي ومكانتها تستطيع القيام بهذا الدور، ولما تتمتع بها من علاقات ممتازة مع كل دول القرن الأفريقي بدون استثناء.
وقد ثمن كل من الرئيس أسياس أفورقي رئيس دولة إريتريا و رئيس وزراء جمهورية أثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية أبي أحمد حكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في رعاية اتفاق جدة للسلام والدفع به ليكون واجهة لعلاقات إيجابية ستعود بالنفع على الطرفين بشكل مباشر، وعلى القرن الأفريقي بشكل عام.
وقد شكر كل من الرئيس أسياس أفورقي و أبي أحمد المملكة العربية السعودية على مساهمتها في الجهود المبذولة لإنهاء الخلاف بين البلدين الجارين؛ حيث لم تأل المملكة العربية السعودية جهداً في متابعة خطوات المصالحة ضمن توجه البلدين الحكيم لإرساء علاقات استقرار في المنطقة، واحترام حسن الجوار لبلدين جارين تربطهما وشائج من العلاقات التاريخية والاجتماعية والكثير من المصالح المشتركة من منطلق الحرص على علاقات دولية صحية في إطار احترام القوانين والمواثيق الدولية.
-
بداية جديدة
تتجه منطقة القرن الأفريقي نحو طي صفحات قاتمة لأزمتها المستمرة منذ سنوات طويلة، والتي أسفرت عن حروب وصراعات دامية أبرزها الحرب الصومالية – الإثيوبية عام 1977م، والحرب الإثيوبية – الإرترية عام 1998م، إضافة إلى الصراع الجيبوتي الإرتري مما جعلها إحدى بؤر الصراع في العالم، وعنوان التوترات السياسية والصراعات المسلحة، وتحولت أيضا إلى منطقة جاذبة للكثير من التنظيمات المتطرفة.
ويعتبر هذا التطور الإيجابي بداية بمثابة مؤشر إيجابي على التغيير، ويقدّم بذلك عنواناً جديداً لما ينتظر منطقة القرن الأفريقي من تطورات سياسية ومصالحات تمهد الطريق لاستقرار سياسي وازدهار اقتصادي يحسِّن من مستوى معيشة شعوب المنطقة الفقيرة رغم ما لديها من ثروات طبيعية كثيرة غير مستغلة.
لم يتصور المتابعون لأزمات القرن الأفريقي المتشعبة قبل هذه المصالحة التاريخية أن تأخذ الأحداث هذا المجرى المتسارع والمبشر، وقد مرّ الطريق بمنعطفات خطيرة كادت أن ينفرط فيها النظام، وأن يتجه المسار إلى الفوضى الشاملة، ولا زال الطريق طويلا، ويعتقد أنه من السهل توقيع اتفاق سلام ولكن المحك هو تحويل هذا الاتفاق إلى واقع ملموس، والأمل كبير في أن ينقل هذا الاتفاق من منطقة عُرفت بكثرة نزاعاتها وحروبها إلى منطقة يمكن أن تصبح مركزاً للتعاون والتنمية والاستقرار في حال استكمال نهج السلام والحوار ليشمل كافة نزاعات القرن الأفريقي.
الخلاصة
إن الترابط العضوي بين منطقة القرن الأفريقي والجزيرة العربية وأهمية موقعهما الإستراتيجي يفرض على الجانبين ضرورة التنسيق والتعاون في الجوانب كافة من أجل التكامل الاقتصادي والتجاري وتبادل الاستثمارات عن طريق تسليط الضوء على الفرص الاستثمارية المتاحة للشركات ورجال الأعمال في أسوق القرن الأفريقي الواعدة في مجالات النفط والغاز،الثروة الحيوانية والزراعية والسمكية، الطيران، البنوك، الخدمات،الاتصالات، الإنشاءات؛ لخلق آلاف من فرص العمل، والقضاء على الفقر المدقع وتحقيق التنمية المستدامة.
بقلم : عبد الرحمن عيسى