ما بعد الاستحقاقات الانتخابية … آفاق جديدة للعلاقات بين الصومال وكينيا
مقدمة
حسمت المحكمة العليا نتائج الانتخابات الكينية يوم 5 سبتمبر 2022 بعد عدة أسابيع من منافسة شرسة أعقبت يوم الاقتراع 9 أغسطس 2022 ليتم تنصيب الرئيس المنتخب وليام روتو اليوم بعد أدائه اليمين الدستورية ويصبح خامس رئيس لكينيا وسط حضور زهاء أكثر من عشرين دولة حفل التنصيب الذي أقيم في ملعب كاساراني وتتابع الأسرة الدولية باهتمام بالغ الديموقراطية الكينية باعتبارها نموذجا في منطقة القرن الأفريقي للتدوال السلمي للسلطة رغم حدة التنافس و ما شابها من اضطراب وتنازع علي النتائج .
التحديات …توترات دبلوماسية
قام الصومال بقطع العلاقات الدبلوماسية مع كينيا علي خلفية دعمها اللامحدود لحاكم ولاية جوبالاند السيد أحمد محمد إسلام وتدخلها السافر في الشؤون الداخلية الصومالية باستضافة زعيم صوماليلاند ؛ وكانت كينيا قد قامت بخطوة تصعيدية في العلاقات الثنائية بين البلدين وذلك باستدعاء سفيرها من مقديشو للتشاور وطالبت السفير الصومالي في نيروبي بمغادرة أراضيها على خلفية انزعاجها من عقد الحكومة الصومالية مؤتمرا في لندن لعرض وترويج حقول نفطية في المياه الصومالية قبل أن تعود العلاقات الثنائية بين البلدين إلي طبيعتها بوساطة قطرية.
إن هذه الخلافات والتوترات يعد مصدرها الرئيسي قضية النزاع الحدودي البحري والتي حسمها القضاء الدولي رغم الرفض المبدئي لكينيا قرار المحكمة الدولية، إضافة إلي ذلك فأن ملف اللاجئين الصوماليين في كينيا يعتبر سببا آخر للتوترات إذ تجادل كينيا بأنها وفرت للاجئين مأوى طيلة أكثر من ربع قرن من الزمان ولا تستطيع تحمل تبعات استضافة اللاجئين ، علاوة علي ذلك هناك أطماع كينية لالتهام ولاية جوبالاند وضمها لكينيا كما فعلت مع الإقليم الصومالي التابع حاليا لكينيا ناهيك عن تعاملها مع إدارة صوماليلاند ككيان مستقل عن الصومال.
وأشارت بعض التقارير إلي أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود كان يفضل استمرار نهج أوهورو بانتخاب رايلا أودينغا ولهذا توجه لكينيا وهو يعلم أنها علي مشارف استحقاق انتخابي مهم قد يفرز سياسات جديدة؛ ومع ذلك استشرف الرئيس أن السياسة الخارجية الكينية لن تتغير كثيرا وخاصة في ما يتعلق بالصومال؛ فلن يجرؤ رئيس كيني علي تحدي الشرعية الدولية وقرارات المجتمع الدولي وحكم المحكمة الدولية وكذلك لن يتخذ قرار بسحب قواته من جانب واحد من الصومال لكسر الاجماع الدولي؛ كما لن يقدم علي اغلاق مخيمات اللاجئين بشكل أحادي وسيكون أكثر حذرا في التدخل في الشؤون الداخلية سواءا التعاطي مع قضية ولاية جوبالاند أو التعامل مع صوماليلاند ككيان مستقل عن الصومال، ولكن قد ينتهج سياسات داخلية تختلف عن سلفه وهذا لن يكون له تداعيات مباشرة علي الصومال ولا يعني الصومال من قريب أو بعيد باعتبار الرئيس الجديد ينتمي للطبقة الشعبية بعكس الرؤساء السابقين الدي ينحدرون من النخب الثرية في المجتمع الكيني.
الفرص…. آفاق جديدة للعلاقات الثنائية
بعد تسليم الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو السلطة بعد السباق الرئاسي نحو فيلا صوماليا واستنفاذ الرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا الولايتين التي يسمح بها الدستور الكيني فإن صفحة جديدة من العلاقات الثنائية بين البلدين والتعاون المشترك بدأت للتو لتجاوز الخلافات المريرة التي اندلعت بين البلدين بالنظر للقيادات الجديدة التي اعتلت السلطة في البلدين.
وفي هذا الصدد؛ فقد اسفرت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الصومالي لكينيا قبيل الانتخابات الرئاسية بالتوافق علي أهمية تعزيز العلاقات الثنائية والرغبة المشتركة في السلام والاستقرار والازدهار واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتطلع للعمل في المجالات ذات الاهتمام المشترك ومحاربة الإرهاب وحشد الدعم لإغاثة المتضررين من الجفاف واستئناف الرحلات الجوية والتبادل التجاري واعفاء المسؤولين الكبار والدبلوماسيين من التأشيرة المسبقة ومنحها عند الوصول للمنفذ الحدودي وتسهيل تأشيرات المواطنين وفتح الحدود للبضائع والأفراد وتشكيل لجان مشتركة لتنفيذ ما تم التوافق عليه في غضون أسبوعين من تاريخ صدور الإعلان المشترك بين الرئيسين.
إن التحولات التي يشهدها العالم ومنطقة القرن الأفريقي تحتم علي الدولتين الجارتين التعاون والتكامل دون اقصاء أحد في المنطقة كما كانت كينيا تتوجس من التحالف الثلاثي بين الصومال وإثيوبيا وإريتريا وكانت تعتبره خطرا علي مصالحها ولهذا فإن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أتي برؤية أوسع وطلب الانضمام لمجموعة دول شرق أفريقيا التي تضم 6 دول وطلب دعم كينيا للصومال للانضمام لهذا التكتل الاقتصادي المهم وعين وزير الخارجية الأسبق الدكتور عبد السلام عمر هدلية مبعوثا خاصا لشؤون هذه المنظمة لتكون الصومال الدولة السابعة لتستفيد من هذا السوق المشتركة وتعرض الدول الأخرى سلعها وتصدرها من الموانئ الصومالية.
الخاتمة
إن السياسة الخارجية للرئيس الكيني السيد وليام روتو لن تحيد عن سلفه كونه نائب الرئيس لمدة طويلة وإن اختلف معه في تحقيق طموحاته السياسية ، ولهذا فإنه سيستمر في نفس الاتجاه ولن يسحب القوات الكينية إلا بتوافق المجتمع الدولي ، أما فيما يتعلق بقضية النزاع الحدودي ؛فمع أن الجانب الكيني قد رفض الامتثال لقرار محكمة العدل الدولية وأصر على ادعائه ملكية المناطق البحرية التي آلت لصالح الصومال بحكم محكمة العدل الدولية، فإن هذا الموقف يكون مفهوما إذا وضعناه في سياق الحملات الانتخابية وتسجيل مواقف لخوض السباق الرئاسي؛ وإلا فإن كينيا ليست دولة مارقة وإنما دولة مسؤولة تعي التزاماتها الدولية وفق القانون الدولي، أما في ما يتعلق بقضية اللاجئين فإن حلها يكمن في تنفيذ التفاهم الثلاثي بين الصومال وكينيا ومفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بدعم عودة اللاجئين الطوعية والآمنة والمنظمة وفيما يخص التدخلات الكينية في الشأن الداخلي يتوقع أن تنهج كينيا سياسة حسن الجوار والتعاون بعيدا عن دعم طرف علي حساب آخر.
كذلك من المتوقع تنسيق المواقف بين الدولتين حول قضايا ومستجدات المنطقة والعالم علي مستوى منظمة إيغاد ودعم تولي الصومال منصب الأمين العام للمنظمة في الدورة القادمة وكذلك حشد الدعم لعضوية الصومال في منظمة دول شرق أفريقيا وكذلك علي مستوي الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.