السياسةالصومالالقرن الأفريفيتحليلاتمقالاتمقالات الرأيوجهات نظر

دلالات زيارة الرئيس الصومالي إلى مدينة كسمايو

 

في 5 أكتوبر 2025 قام الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بزيارة مدينة كسمايو الحاضرة المؤقتة لولاية جوبالاند  وذلك في خضم مشهد سياسي يشهد توترًا متزايدًا وتصاعدًا في الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وكل من ولايتي جوبالاند وبونتلاند، إضافة إلى قيادات المعارضة المنضوية تحت ائتلاف “منصة الخلاص الصومالي”، وتمثل هذه الزيارة أول اختراق سياسي منذ نحو عام من الجمود والخلاف السياسي بين الحكومة الفيدرالية وحاكم ولاية جوبالاند، ما يعكس تحولاً محتملاً على تغير في الديناميكيات السياسية بين الطرفين.”

تُعد هذه الزيارة أول اختراق سياسي منذ ما يقرب من عام من القطيعة بين الحكومة الفيدرالية وولاية جوبالاند السيد  أحمد محمد إسلام ” مدوبي”  عقب إعادة انتخابه في نوفمبر 2024 لولاية ثالثة، وهي خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية، وواجهت رفضًا صريحًا من الرئيس حسن شيخ محمود، الذي ظل متمسكًا بموقفه الرافض للاعتراف بشرعية مدوبي، معتبرًا إعادة انتخابه انتهاكًا للإطارين الدستوري والتوافقي المعتمدين في البلاد.

وفي هذا المقال التحليلي، نرصد خلفيات هذه الزيارة، وندرس دوافعها وتوقيتها، كما نستعرض أبرز السيناريوهات المحتملة لمآلات مسار العملية السياسية في ضوء المتغيرات في المشهد السياسي الراهن.

الدلالات السياسية

تأتي الزيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ إلى مدينة كسمايو في توقيت بالغ الحساسية، إذ تمر البلاد بمرحلة تتسم بـتصاعد التوترات السياسية وخلافات متصاعدة بين الحكومة الفيدرالية والمعارضة مع اقتراب موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية حيث تشهد الساحة السياسة حالة من الاحتقان والاستقطاب تعكس مدى تعقيد الوضع السياسي وتداخل المصالح بين الفاعلين السياسيين الساعين إلى تعزيز نفوذهم وترسيخ مواقعهم استعدادًا للاستحقاقات المقبلة وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، تكتسب الزيارة أهمية خاصة، كونها تحمل أبعادًا متعددة سياسية وأمنية وربما رمزية وتندرج هذه الخطوة ضمن مساعي الرئيس حسن شيخ محمود لإعادة ترتيب التوازنات الداخلية واحتواء حالة التوتر المتصاعد يسعى الرئيس إلى استثمار أوراقه السياسة وخاصة عبر تفاهمات ثنائية مع حاكم ولاية جوبالاند أحمد مدوبي وتوظيف هذه الخطوة كورقة ضغط لإحداث ارتباك داخل صف المعارضة بقدر الإمكان، كما يُنظر إلى الزيارة على أنها فرصة للرئيس لاختراق جدار المعارضة وكسب لاعب فاعل فيها، في إطار سعيه لإعادة تشكيل موازين القوى السياسية قبل الاستحقاقات المقبلة.

ويعتقد الدكتور عبد القادر محمود علي ،كاتب وباحث صومالي متخصص في شؤون القرن الأفريقي، إلى أن زيارة الرئيس حسن شيخ محمود لمدينة كسمايو، تندرج ضمن سلسلة من الخطوات التي تتبناها القيادة الفيدرالية في سبيل تعزيز الوحدة الوطنية والتفاهم الوطني وتوحيد الرؤى لمستقبل الصومال ، وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة في البلاد، مشيرا إلى سعي الحكومة الفيدرالية لإعادة ترميم البيت الداخلي وتعزيز نفوذها في الولايات بعد فترة من الجمود والتباعد دامت قرابة عام، كما تشكّل هذه الزيارة اختبارًا حاسمًا لمدى قدرة القيادة الفيدرالية على إدارة مسار المصالحة وبناء الثقة مع الولايات الأعضاء مضيفا إلى أنها قد تشكّل خطوة أولى نحو فتح حوار بنّاء حول الخلافات السياسية القائمة، سواء بين ولايتي جوبالاند وبونتلاند والحكومة، أو مع قوى المعارضة، خاصةً فيما يتعلق بقضيتَي تعديل الدستور والانتخابات المباشرة المقبلة.”

أسباب تعثر المحادثات بين الرئيس الصومالي ورئيس ولاية جوبالاند …

تعكس زيارة رئيس الصومال إلى مدينة كسمايو استجابةً لضغوط متزايدة من الدول المجاورة، والتي تسعى إلى تضييق الفجوات القائمة بين الأطراف وتعزيز التفاهم المشترك، يأتي ذلك في ظل حرص الأطراف الخارجية على دفع مسار الحوار السياسي، خصوصًا في ظل الأوضاع الراهنة المتقلبة. وتُعتبر هذه المحادثات من الملفات الحساسة والهامة التي تلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل الاستقرار السياسي والأمني في الصومال، حيث يمكن أن تشكل خطوة محورية نحو تقوية الوحدة الوطنية وتجاوز الخلافات العميقة التي تعيق تقدم البلاد.

يرى المحلل الأمني والسياسي عبدالرحمن سهل ” أن زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ الى  لمدينة كيسمايو محكومة سلفاً بالفشل نتيجة ضعف الدعم المقدم من الأطراف الخارجية الداعمة لجهود الوساطة، وذلك بسبب تمسك مدوبي بموقفه الرافض للتفاعل مع مبادرة حسن النية التي قدمها الرئيس حسن شيخ، هذا التعنت أدى إلى فشل جولة المباحثات بين الجانبين، وأعاق إمكانية تحقيق تقدم نحو حلول توافقية، رغم ذلك، تظل المصالحة الشخصية إحدى أولويات أحمد مدوبي وتعقيد جهود التوصل إلى حلول توافقية.

لا تقتصر أسباب تعثّر المحادثات بين الرجلين على ضعف الثقة المتبادلة فحسب، بل تمتد أيضًا إلى غياب أرضية مشتركة واضحة تُسهِّل التفاهم بين الجانبين. ويُضاف إلى ذلك تعقيد الملفات الأمنية والإدارية المرتبطة بالسيطرة على ولاية جوبالاند وتأمينها، ما يزيد من صعوبة التوصل إلى توافقات تُرضي جميع الأطراف المعنية وأسهمت الأجواء المتوترة التي سبقت المحادثات في تعميق حالة الجمود السياسي، ولا سيّما عقب الاجتماع الذي عُقد في العاصمة الكينية نيروبي والإعلان عن تشكيل ما عُرف بـ”مجلس المستقبل الصومالي”.

 وقد أدى هذا التطور إلى تصاعد حدة التوتر بين الأطراف المختلفة وتفاقم تعقيدات المشهد السياسي العام، مما جعل فرص التوصل إلى اتفاق محدودة نتيجة الترتيبات المسبقة التي تمت قبل انطلاق المحادثات .ويُنظر إلى هذا التحرك على أنه محاولة لممارسة ضغط سياسي على الحكومة الفيدرالية، بغرض دفعها إلى إعادة النظر في مسارها السياسي والانتخابي القادمة، من الطبيعي أن تواجه المحادثات تعثّرات، خاصة في ظل ظروف تميل أكثر إلى التمسك بالمواقف السابقة ومحاولة تحقيق مكاسب على حساب الطرف الآخر، بدلاً من السعي إلى حل وسط يُراعي مصالح الجميع ويحفز على الوئام واستقرار البلاد.

أهم القضايا الخلافية بين الرجلين بين المركز وولاية جوبالاند

تفاقمت الفجوة بشكل واضح بين مقديشو وكسمايو منذ أن أعلن أحمد مدوبي عن فوزه في انتخابات إعادة انتخابه التي جرت في نوفمبر 2024م لولاية ثالثة متتالية ، يرجع سبب الخلاف بين الطرفين إلى عدة نقاط رئيسية كما يلي:

  1. يُصرّ الرئيس حسن شيخ على موقفه الرافض لنتائج انتخابات نوفمبر 2024 في جوبالاند، التي أسفرت عن إعادة انتخاب أحمد مدوبي حاكمًا للولاية، معتبرًا هذه النتائج غير شرعية وباطلة، ومؤكدًا ضرورة عودة مدوبي إلى إطار مجلس التشاور الوطني.
  2. من جانبه، يؤكد مدوبي أن الانتخابات جرت وفقًا للدستور وتعبر عن الإرادة الحرة لشعب الولاية، مطالبًا الحكومة الفيدرالية بالاعتراف الكامل بنتائجها.
  3. اشترط الرئيس حسن شيخ مشاركة أحمد مدوبي في اجتماعات مجلس التشاور الوطني، إضافةً إلى سماح اللجنة الانتخابية الفيدرالية بمباشرة مهامها بشكل مباشر داخل ولاية جوبالاند.
  4.   تمسّك مدوبي بنتائج الانتخابات المحلية غير المعترف بها من قبل الحكومة الفيدرالية، في حين أصرّ الرئيس حسن شيخ محمود على عدم استئناف أي حوار قبل تراجع مدوبي عن موقفه، مما أدى إلى فشل جولة المباحثات بين الجانبين.

السيناريوهات المتوقعة:

 مع اقتراب موعد الانتخابات في الصومال، تتصاعد حالة التوتر والغليان السياسي، حيث تنشأ صراعات وتوترات بين حكام الولايات بالإضافة إلى القوى المعارضة، مما يجعل الانتخابات اختبارًا حاسمًا لقدرة الدولة على تجاوز التحديات وتحقيق التحول الديمقراطي المنشود.

  1.  تشكيل إدارة مؤقتة موازية في عدد من مناطق جوبالاند عقب تعثر المحادثات مع الرئيس حسن شيخ محمود، في حين حذّر أحمد مدوبي من أن هذه الخطوة قد تنعكس سلبًا على وحدة البلاد والمنطقة”.
  2. ممارسة ضغوط على الجانبين من قبل دول الوساطة المجاورة، بهدف تضييق فجوة الخلاف بينهما وتشجيعهما على استئناف الحوار والتوصل إلى تسوية سياسية شاملة تضمن استقرار البلاد.
  3. توصل الطرفين إلى تنازلات متبادلة من أجل التوصل إلى حل وسط يُرضي الجميع ويسهم في تجاوز الخلافات القائمة.
  4. تشكيل اللجان الفنية أحد الأدوات الحيوية في مسارات المحادثات، حيث تساهم بشكل فعّال في تمهيد الأرضية المشتركة بين الأطراف الجانبين وتخلق أجواء من النقاش يهدف إلى تعزيز التوافق الوطني وترسيخ الوحدة السياسية، بما يدعم استقرار البلاد.

الخاتمة:

إن فشل جولة المفاوضات الأخيرة يزيد من حدة الانقسام بين الحكومة الفيدرالية والولايات الأعضاء في الدولة الفيدرالية في الصومال، ما ينذر بتفاقم الأزمة السياسية في ظل اقتراب انتهاء ولاية الرئيس حسن شيخ محمود وتعثر مسار الانتخابات الوطنية، عند تحليل فرص الحكومة الفيدرالية في حسم الأزمة عبر خيار التصعيد، يتّضح أن هذا المسار قد يلحق بها أضرارًا أكبر مما قد يلحق بخصمها، نظرًا لموازين القوى الحالية. فالرئيس أحمد مدوبي يمتلك عامل الوقت لصالحه، إذ لا يتكبد خسائر مباشرة مع مرور الأيام، مما يمنحه قدرة أكبر على التمسك بمواقفه لفترة أطول. في المقابل، يضعف استمرار الأزمة موقف الحكومة الفيدرالية تدريجيًا، خصوصًا مع اقتراب انتهاء الولاية الدستورية للرئيس وتراجع شرعيته السياسية، وهو ما يجعل كلفة المواجهة – سياسيًا وأمنيًا – مرتفعة بالنسبة لها، ويحدّ من قدرتها على المناورة مع مرور الوقت.

عبد الرحمن عيسى

دبلوماسي صومالي حاصل على بكالوريوس في العلاقات الدولية . كاتب وباحث في الشؤون الدولية والدبلوماسية، صدر له العديد من التقارير والدراسات في عدد من الدوريات المحكمة إضافة إلى عشرات المقالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى